alfrqan

مرحبا بكم في موقعنا ومنتديات الفرقان نتمني لكم قضاء وقت جميل معنا والاستفادة بكل ما هوه جديد نأمل من الله ان نكون عند حسن ظنكم بنا في هذا الموقع الديني
ملاحظة هامة عند الاشتراك بالموقع والتسجيل لا تنسي الرسالة الذي ترسل اليك عبر الاميل لانها يوجد بها رابط التفعيل ويكون هناك رابطين الاول للموقع والثاني لتفعيل عضويتك لتمكنك من تسجيل الدخول بعد ذلك فالرجاء بعد التسجيل وقبل قيامك بالدخول اذهب الي رسائلك في الاميل تجد هذا الرابط الموجود وبعد الضغط عليه يمكن الدخول والاستمتاع معنا في موقعنا فاهلا وسهلا بك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

alfrqan

مرحبا بكم في موقعنا ومنتديات الفرقان نتمني لكم قضاء وقت جميل معنا والاستفادة بكل ما هوه جديد نأمل من الله ان نكون عند حسن ظنكم بنا في هذا الموقع الديني
ملاحظة هامة عند الاشتراك بالموقع والتسجيل لا تنسي الرسالة الذي ترسل اليك عبر الاميل لانها يوجد بها رابط التفعيل ويكون هناك رابطين الاول للموقع والثاني لتفعيل عضويتك لتمكنك من تسجيل الدخول بعد ذلك فالرجاء بعد التسجيل وقبل قيامك بالدخول اذهب الي رسائلك في الاميل تجد هذا الرابط الموجود وبعد الضغط عليه يمكن الدخول والاستمتاع معنا في موقعنا فاهلا وسهلا بك

alfrqan

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الشريعة والحياه

خبر عاجل-- عدد الشهداء حتي الان 142 شهيد و1115 جريح جلهم من الاطفال-- الحكومة الاسرائيلية تدعم مدن وبلدات الجنوب بـ 15 مليون شيقل--استشهاد الفتى احمد ابو عليان من بني سهيلا متأثرا بجراحه--استهداف مواطنين بصاروخ استطلاع واصابتهما بجراح في حي الشجاعية بغزة--اصابتان في قصف تحذيري قرب منزل مستشار هنية عصام الدعاليس--سقوط صاروخ على منطقة "بني شمعون" واندلاع حريق بعد انفجار الصاروخ--شهيد وثلاثة جرحى في غارة قرب مسجد الشافعي بجباليا--القسام تقصف قاعدة حتسور الجوية بـ 3 جراد واسدود بصاروخ محلي--اسرائيل تقصف منزلا غرب النصيرات والنيران تشتعل فيه بعد تدميره--المقاومه تسستبسل تجدد القصف الصاروخي على المدن والبلدات الاسرائيلية--اليوم 8 من الحرب -يبدأ باستهداف منازل ومقرات حكومية وجسر تاريخي--الطائرات الاسرائيلية تستأنف قصف أنفاق رفح بـ7 غارات واشتعال النار--ابو مرزوق: لا يجوز قتل العملاء بهذه الطريقة ويجب محاسبة المنفذين--قصف مركز شرطة محافظة خانيونس بعدد من الصواريخ--القسام تخترق بث القناتين العاشرة والثانية وتهدد سلاح المدرعات--نتنياهو: نفضل تسوية الوضع بالوسائل الدبلوماسية--طائرات اف 16 تدمر منزل عصام الدعاليس مستشار هنية وسط القطاع

نعلمكم انه تم تفعيل الموقع بعد انقطاع دام اشهر فاهلا وسهلا بكم من جديد والتفاعل مع الموقع بالمشاركات عبر الاميل التالي a_a213@hotmail.com ولكم جزيل الشكرا


2 مشترك

    الجزء الاول الحديث الثاني لجبريل الطويل

    صوت الحق
    صوت الحق


    عدد المساهمات : 19
    نقاط : 43
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010

    الجزء الاول  الحديث الثاني  لجبريل الطويل Empty الجزء الاول الحديث الثاني لجبريل الطويل

    مُساهمة من طرف صوت الحق الإثنين مارس 08, 2010 10:22 am

    [size=18][b]2- عن عُمرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: بَينَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ إذْ طلَعَ عَلَيْنا رَجُلٌ شَديدُ بَيَاضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ.
    قالَ: يا محمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ.
    فَقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِليْهِ سَبِيلاً)).
    قالَ: صَدَقْتَ.
    قالَ: فَعَجِبْنا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
    قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ.
    قالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِِ)).
    قالَ: صَدَقْتَ.
    قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإحسانِ؟
    قالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإِنَّهُ يَرَاكَ)).
    قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ السَّاعةِ.
    قالَ: ((مَا الْمَسْؤُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).
    قالَ: فَأخْبِرْني عَنْ أَمَاراتِها.
    قالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)).
    قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا.
    ثُمَّ قالَ لي: ((يا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟)).
    قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
    قالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)) رواه مسلِمٌ




    1)تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحَدِيثِ:
    تَقَدَّمَتْ فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ.



    الشَّرحُ:
    قالَSadبَيْنَمَا) أَيْ: بَيْنَ أَوْقاتٍ (نَحْنُ)كَائِنُونَ (عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ) زِيدَتِ الذَاتُ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أنَّ المُرَادَ من اليَوْمِ مُطلَقُ الوَقْتِ.

    (إذْ) فُجَائِيَّةٌ (طَلَعَ) ظَهَرَ (عَليْنَا رجلٌ)، أَيْ: جِبْريلُ عليهِ السَّلامُ في صُورَةِ رَجُلٍ، وَقَدْ مَكَّنَ اللهُ تَعَالى للملائِكَةِ منْ أَنْ يَتَصَوَّرُوا وَيَظْهَرُوا في أيِّ صورةٍ شَاءُوا.
    (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ) أي: شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
    (لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) مِنْ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَتَدَنُّسِ الثِّيابِ، والتَّغَيُّرِ بالغُبارِ.
    وفي رِوَايةٍSadأَحسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا، كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ).
    (وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) فَعَجِبْنَا منهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا لَظَهَرَ عَليْهِ أَثَرُهُ، وَلَوْ كَانَ منْ أهلِ المدينةِ لعَرَفْنَاهُ؛ إذْ لا يَخْفَى سُكَّانُهَا عَلَيْنَا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي (حَتَّى جَلَسَ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَدُّبًا مَعَه.
    وَنَبَّهَهُ بهذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَأدَّبَ معَ المُعَلِّمِ كَمَالَ التَّأَدُّبِ؛ إذْ هُوَ وَارِثُ الأَنبيَاءِ علَيْهِم السَّلامُ، يُقَرِّبُ إلَى اللهِ تَعَالَى بِتَعْلِيمِهِ، وصَاحِبُ الأدبِ فائزٌ، وَفاقِدُهُ خَاسِرٌ.
    (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا جاءَ ذلكَ صَريحًا في روَايةِ النَّسائيِّ، ولَفْظُهَا: (أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ معَ أَصْحابِهِ فلاَ يَعْرِفُهُ الغَريبُ، فَبُنِيَتْ لهُ مِصْطَبَةٌ مِنْ طِينٍ، فجَاءَهُ جِبْريلُ وَهُوَ عليها، فقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يامُحمَّدُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام).
    فقالَ: أَدْنُو يامُحَمَّدُ؟
    قالَ: ((ادْنُهْ))، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: أَدْنُو؟ فيَقُولُ: ((ادنُهْ)) حتَّى وَضَعَ يَديْهِ على رُكْبَتَي النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَ: يَامُحَمَّدُ).
    وَنَبَّهَ بِوَضْعِ يَدَيْهِ على رُكْبَتَي النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَوْلِهِ: يَامُحَمَّدُ، أَنَّهُ يَنْبَغِي للمُعَلِّمِ أَنْ لا يَبْخَلَ بالتَّعْلِيمِ والنُّصْحِ عِنْدَ قِلَّةِ تَأَدُّبِ المُتَعَلِّمِ، فِعْلاً وَقَوْلاً؛ إذ العِلْمُ أَمَانَةٌ يَنْبَغِي أَدَاؤُهَا إلى أَهلِهَا، أَخَذُوهَا بِتَأَدُّبٍ أَوْ لاَ، وإليهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. وَقَوْلُهُ تَعالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}.
    وَقَدْ جَاءَ جِبْريلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُعَلِّمًا.
    (أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ) الْذي يَتَعَلَّقُ بالظَّاهِرِ، ويَحْفَظُ الدِّماءَ وَالأَمْوَالَ والأَوْلاَدَ والذُّرِّيَّةَ.
    (فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُجِيبًا لهُ عَمَّا سَأَلَ: ((الإسلامُ)) الذي تُرِيدُ تَفْسِيرَهُ، ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ))بوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ((إِلاَّ اللهُ))الواجِبُ الوُجودِ المُنْفَرِدُ بالأُلُوهيَّةِ، الموصوفُ بأَوصَافِ الكَمَالِ، المُقَدَّسُ عَنْ سِمَاتِ أهْلِ الزَّوَالِ.
    ((وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ)) رَسُولُ اللهِ إلى النَّاسِ والجِنِّ، وأَنَّ مَا جَاءَ بهِ فهُوَ حَقٌّ.
    ((وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ)) المفرُوضَةَ بِفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا، مُجَانِبًا عَنْ مُفْسِدَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَعَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا.
    ((وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ)) إِنْ وَجَبَتْ عَلَيْكَ.
    ((وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ)) بفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، في زمَانٍ مَخْصُوصٍ.
    ((إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) بالزَادِ والرَّاحِلةِ بِشُرُوطِهَا المُقَرَّرَةِ في مَحَلِّهَا.
    وهذَا إشارةٌ إلى أنَّ الإسلامَ عِبَارَةٌ عن تَحْلِيَةِ الظاهرِ بالعبادَةِ، وأَشَارَ بهذهِ الخمسِ إلى أُصُولِهَا؛لأنَّ العِبَادَةَ المُتَعَلِّقَةَ بالظَّاهرِ:
    - إِمَّا مَالِيَّةٌ: وإليْهِ الإشَارةُ بالزَّكاةِ.
    - أَو مَالِيَّةٌ بَدَنِيَّةٌ: وإليهِ الإشَارَةُ بالحَجِّ.
    - أَوْ بَدَنِيَّةٌ وهيَ تَزْكِيَةٌ: وإليْهِ الإِشَارَةُ بالصَّوْمِ.
    - أَوْ عَمَلِيَّةٌ قَوْلِيَّةٌ فَقَطْ: وإليهِ الإشَارَةُ بالشَّهَادَتَيْنِ.
    - أو فِعْلِيَّةٌ وَقَوْلِيَّةٌ: وإليهِ الإشَارَةُ بالصَّلاةِ.
    (قالَ)جِبْريلُ: (صَدَقْتَ) فِيمَا قُلْتَ.
    وَنَبَّهَ بهذَا أَنَّ مِنْ حَقِّ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُصَدَّقَ في كُلِّ ما يَقُولُ؛ إذْ هُوَ معصُومٌ عنِ الكَذِبِ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ويُسَلَّمُ أَمْرُهُ تَسْلِيمًا.
    (قَالَ)عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (فَعَجِبْنَا لَهُ) أَيْ: مِنْهُ، أَوْ لأَِجْلِهِ (يَسْأَلُهُ)، ومُقْتَضَى السُّؤالِ عَدَمُ العِلْمِ بالمَسْؤُولِ،(وَيُصَدِّقُهُ) وَمُقْتَضَى التَّصْدِيقِ العِلْمُ بِهِ.
    (قالَ)جبريلُ عليهِ السَّلامُ: (فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ) الذي هوَ مُتَعَلِّقٌ بالباطِنِ، وعَليْهِ مدارُ الدِّينِ.

    قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جَوَابِهِ: الإيمَانُ ((أَنْ تُؤْمِنَ))تُصَدِّقَ بِقَلْبِكَ تصْدِيقًا لاَ يَطْرَأُ عليهِ الشَّكُّ أَبَدًا.
    ((باللهِ))بأنَّهُ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ، واحِدٌ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأَفْعالِهِ، مُنْفَرِدٌ بأُلوهيَّتِهِ، لاَ شَريكَ مَعَهُ بِوجهٍ مَا، موصُوفٌ بكلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بهِ، مُنَزَّهٌ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بهِ.
    ((وَمَلاَئِكَتِهِ)) بأنَّهُم عِبَادُ اللهِ المُكْرَمُونَ لاَ يَعْصُونَ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ، ومَا مِنهُمْ أحدٌ إلاَّ لَهُ مقامٌ مَعْلُومٌ.
    ((وَكُتُبِهِ)) بأنَّها كَلاَمُهُ الحَقِيقِيُّ، تَكَلَّمَ بهَا كمَا يَلِيقُ التَّكَلُّمُ بهِ، ويُسمِعُ كَلاَمَهُ مَنْ يَشَاءُ اسْتِمَاعَهُ كَيْفَ يَشَاءُ{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
    ((وَرُسُلِهِ)) بِأَنَّهُمْ عِبادُ اللهِ المُكرَمُونَ عَصَمَهُمْ عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَنَابِهِم، وَأَرْسَلَهُم إلى خَلْقِهِ لِهِدَايَتِهِم وَتَكْمِيلِ مَعَاشِهِمْ ذومَعَادِهِم، وَأَيَّدَهُمْ بالمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِهم، وَبَلَّغُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَيَجِبُ تَعْظِيمُهُم وتَنْزِيلُهُم مَنَازِلَهُم، أَوَّلُهُم آدَمُ صَفِيُّ اللهِ، وَآخِرُهُم وَأَجَلُّهُم مُحَمَّدٌ حَبِيبُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ((وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) الذي ليسَ بعدَهُ ليلٌ، قِيلَ: هوَ مِنَ الموتِ إلى آخِرِ مَا يَقَعُ يومَ القيامَةِ، أَيْ: تُؤْمِنَ بِوُجُودِهِ، وما اشْتَمَلَ عَليهِ مِنْ سُؤَالِ المَلَكَيْنِ، وَنَعِيمِ القبرِ وَعَذَابِهِ والبَعثِ والحِسَابِ والمِيزَانِ والصِّرَاطِ، والجَنَّةِ والنَّارِ وغيرِ ذَلكَ، أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ.
    ((والقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) بأَنْ تُؤْمِنَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ الأشياءَ كُلَّهَا، عِلْمَهُ الأَزَلِيَّ، وَقَدَّرَ لكلٍّ مِقْدَارًا، لاَ يَزِيدُ عليهِ ولا يَنْقُصُ، وَزَمَنًا لا يَتَقَدَّمُ عليهِ ولا يَتَأَخَّرُ عنهُ، وَقَدَّرَ الخيرَ في حقِّ مَنْ أرادَ أنْ يُقدِّرَهُ فلاَ يُصْرَفُ عنهُ أبدًا، وَقَدَّرَ الشَّرَّ في حقِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقَدِّرَهُ فلاَ يُحْفَظُ عنهُ أَبَدًا؛ لأِنَّه مَا قُدِّرَ يَكُونُ.


    موضوعُ الحديثِ: بيانُ مَرَاتِبِ الدِّينِ.


    المُفْرَدَاتُ:
    (بَيْنَمَا نحنُ جلوسٌ عندَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): يُؤْخَذُ مِنْ هذا:
    -حِرْصُ الصحابةِ على العِلْمِ، وتحَلُّقُهُم لهُ.
    -وطُولُ مُكْثِهِم في مُجالسةِ وصُحْبَةِ العلماءِ.
    -والتواضعُ في الطَّلَبِ.

    (ذَاتَ يومٍ): (ذَاتَ) اسمٌ مُضَافٌ إلى اسمِ الزمانِ.
    و (يَوْمٍ) قطعةٌ مِن الزمنِ: يُرَادُ بها النهارُ: كما في قولِهِ تعالى: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: 184].
    وقَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 169].

    ويرادُ بهِ الليلُ والنهارُ: كَقَوْلِهِ:{إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً}[الأعراف: 163].
    ويُرَادُ بهِ الحِينُ: كَقَوْلِهِ:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} [النازعات: 46].
    ويُرَادُ بهِ الآخرةُ: كَقَوْلِهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].

    وجاءَ بصيغةِ النكرةِ لِيَدُلَّ على عدمِ مَعْرِفَتِهِ بعَيْنِهِ، وليَدُلَّ على عَظَمَتِهِ.
    (إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ) : (إِذْ) هيَ الفُجَائِيَّةُ، بمعنى: فَاجَأَنَا بِطُلُوعِهِ.
    و(طَلَعَ) بمعنى ظَهَرَ.
    و(عَلَيْنَا) أيْ: على الصَّحَابَةِ.
    و(رَجُلٌ) هوَ الذَّكَرُ الذي يُقَابِلُ المرأةَ.
    وهذا الرجلُ هوَ جِبْرِيل جاءَ في صورةِ أعرابيٍّ.
    وهذا المَجِيءُ هوَ أحدُ أنواعِ الوَحْيِ،
    والذي مِنْ أَنْوَاعِهِ:
    -الرؤيَةُ الصادقةُ.

    -والإلقاءُ في الرُّوْعِ.
    -وأنْ يَتَغَشَّاهُ.
    -وأنْ يَرَاهُ على صُورَتِهِ التي خُلِقَ علَيْها.
    -وأنْ يُكَلِّمَهُ مِنْ وراءِ حِجَابٍ.
    (شَدِيدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعر) أيْ: نَظَافَتُهُ في ظَاهِرِهِ ومَلابِسِهِ؛ لِتَكُونَ رائحةُ ثِيَابِهِ طَيِّبَةً ومَنْظَرُهَا مَقْبُولاً.
    وفيهِ:الترغيبُ في لُبْسِ الثيابِ البيضِ.
    وأمَّا شِدَّةُ سَوَادِ شَعَرِهِ ففيهِ: نظافةُ بَدَنِهِ وزوالُ الروائحِ الكريهةِ من البَدَنِ.

    وفيهِ: أنَّ أحسنَ ألوانِ الشَّعَرِ السوادُ؛ إذْ إِنَّ الملائكةَ أجملُ المخلوقاتِ.
    وفيهِ:النهيُ عن التَّشَبُّهِ بأعداءِ اللَّهِ في أَلْوَانِ الشَّعَرِ كالأَشْقَرِ وما شَابَهَهُ.
    (لا يُرَى عليهِ أثرُ السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ منَّا أحدٌ)

    هذا أَدَبٌ مِنْ آدابِ طالبِ العلمِ، وهوَ شَدُّ الرِّحَالِ لطلبِ العلمِ، والتَّنَقُّلُ في البلادِ للأخذِ مِن العلماءِ؛ إذْ هذا الرجلُ غَرِيبٌ فهوَ مِنْ مكانٍ بعيدٍ.
    وفيهِ: أنَّ العلمَ يُزَيِّنُ أَهْلَهُ؛ إذْ لَمْ يُرَ عليهِ أثرُ السفرِ.
    والسفرُ: هوَ الضَّرْبُ في الأَرْضِ لحاجةٍ وتَرْكُ الأهلِ والأوطانِ.
    وسُمِّيَ سَفَراً؛ لأنَّهُ يُسْفِرُ عنْ أخلاقِ الرجالِ.
    ومِنْ فوائدِ السَّفَرِ: ما قالهُ الإمامُ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:


    تَغَرَّبْ عَنِ الأوطانِ في طَلَبِ العُلاوَسَافِرْ فَفِي الأسفارِ خمسُ فَوَائِدِ
    فتفْرِيجُ هَمٍّ واكتسابُ مَعِيشَـةٍوعِلْمٍ وأخلاقٍ وصُحْبَةُ مَاجِـدِ


    (حتَّى جلسَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم) فيهِ: أَدَبٌ منْ آدابِ طالبِ العلمِ، وهوَ الدُّنُوُّ مِن العَالِمِ، والقُرْبُ منهُ والاستماعُ لهُ؛ إذْ فيهِ الحرصُ على العِلْمِ والرَّغْبَةُ فيهِ.

    (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ ووَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ)
    فيهِ: التواضعُ في طلبِ العلمِ وعدمُ التَّكَبُّرِ.
    وفي الحديثِ: ((مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ)).
    وقدْ قِيلَ: لا يَنَالُ العلمَ مُتَكَبِّرٌ ولا مُسْتَحْيٍ.
    (وقالَ يَا مُحَمَّدُ) فيهِ:سببٌ مِنْ أسبابِ تَحْصيلِ العلمِ، وهوَ حُسْنُ السؤالِ.
    وقدْ قَالُوا لابنِ عَبَّاسٍ: بِمَ نِلْتَ العلمَ؟ قالَ: (بِلِسَانِ سَؤُولٍ وقلبٍ عقولٍ).
    ويَقْصِدُ بـ(مُحَمَّدٍ) الرسولَ صلى الله عليه وسلم.
    (أَخْبِرْنِي عن الإسلامِ) أيْ: عَلِّمْنِي الإسلامَ.
    والإسلامُ لُغَةً: الانقيادُ.

    وشَرْعاً: اسْتِسْلامُ العبدِ للَّهِ ظاهراً وباطناً بفعلِ أوَامرِهِ واجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ.
    فقالَ: ((الإسلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ)) بيَّنَ أركانَ الإسلامِ التي يقومُ عليها ولا يقومُ بدُونِها.
    وبدأَ بالتوحيدِ الذي لا يَصِحُّ الإسلامُ بدُونِهِ، ولا تَتَطَهَّرُ القلوبُ بِسِوَاهُ، وهوَ: الشهادةُ.
    ومَعْنَاهَا: لامَعْبُودَ بحَقٍّ في الوُجُودِ سِوَاهُ.
    وتَتَضَمَّنُ:
    -النَّفْيَ: وهوَ بِمَثَابَةِ التَّخْلِيَةِ.
    -والإثباتَ: وهوَ بمَثَابَةِ التَّحْلِيَةِ.
    وتُمَثِّلُ الشرطَ الأَوَّلَ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العملِ وهوَ:
    الإخلاصُ للَّهِ تعالى.
    ((وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ)) هذهِ تَكْمِلَةُ الشهادةِ، وهيَ الشهادةُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بالرسالةِ، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بهذهِ لَمْ يُقِرَّ بِسَابِقَتِهَا.
    وهذا هوَ الشرطُ الثاني مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العملِ وهوَ:
    المُتَابَعَةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم.
    ((وَتُقِيمَ الصلاةَ)) هذا هوَ الرُّكْنُ الثاني مِنْ أركانِ الإسلامِ.
    ومعنىSadتُقِيمَ) ؛ أيْ: تُؤَدِّيَهَا كاملةَ الشروطِ والأركانِ والواجباتِ.
    و(الصلاةُ) لُغَةً: الدعاءُ.
    وشرعاً: أقوالٌ وأفعالٌ بِنِيَّةٍ، مُفْتَتَحَةٌ بالتكبيرِ ومُخْتَتَمَةٌ بالتسليمِ.
    وهيَ:
    -فَرْضٌ.
    -ورَاتِبَةٌ.
    - ونَفْلٌ.
    والنَّفْلُ:
    - مُقَيَّدٌ.
    - ومُطْلَقٌ.
    ومِنْ إِقَامَتِهَا: صَلاتُها في المسجدِ جماعةً.
    ((وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ)) أيْ: تُعْطِيَهَا لمُسْتَحِقِّهَا.
    و(الزكاةُ)لُغَةً: النَّمَاءُ والزيادةُ.
    وشرعاً:نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعاً في مالٍ مُعَيَّنٍ يُصْرَفُ لطائفةٍ خَاصَّةٍ.

    وشُرُوطُها خمسةٌ:
    -الإسلامُ.
    -الحُرِّيَّةُ.
    - ومِلْكُ النِّصَابِ.
    -واستقْرَارُهُ.
    - ومُضِيُّ الحَوْلِ.
    والأموالُ التي تُزَكَّى أَرْبَعَةٌ، وهيَ:
    -النَّقْدَانِ.
    - والخَارِجُ مِن الأرضِ.
    -وبَهِيمَةُ الأنعامِ السائمةِ.
    -وعُرُوضُ التجارةِ.

    وأَهْلُهَا ثمانيَةٌ، وهم:
    -الفقراءُ.
    -والمساكينُ.
    -والعاملونَ عليها.
    - والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهم.
    -وفي الرِّقَابِ.
    -والْغَارِمُونَ.
    -وفي سبيلِ اللَّهِ.
    - وابنُ السَّبِيلِ.
    وهيَ:

    - فرضٌ.
    - ونَفْلٌ.
    والأفضلُ في النَّفْلِ السرُّ، وأمَّا الفرضُ فَتُظْهَرُ.
    ((وَتَصُومَ رمضانَ))
    (الصومُ) لُغَةً: الإمساكُ.
    وشرعاً: الإمساكُ بِنِيَّةٍ عن المُفْطِرَاتِ مِنْ طلوعِ الفجرِ الثاني إلى غروبِ الشمسِ.
    وهو:
    - فرضٌ.

    -ونفلٌ.
    والفرضُ:
    - أَدَاءٌ.
    - وكَفَّارَةٌ.

    والنفلُ:
    - مُطْلَقٌ.
    - ومُقَيَّدٌ.
    و(رمضانُ) هوَ الشهرُ التاسعُ مِنْ أَشْهُرِ العَامِ.
    وسمُي رمضانَ؛ لأنَّهُ يُحْرِقُ الذنوبَ أوْ تَصِلُ حرارةُ الإيمانِ بهِ إلى القلوبِ، أوْ لأنَّهُ وَقْتَ فَرْضِهِ كانَ حَارًّا.
    ((وَتَحُجَّ البيتَ إن اسْتَطَعْتَ إليهِ سبيلاً))
    الحَجُّ لغةً: القصدُ.
    وشرعاً: قصدُ البيتِ الحرامِ بِنِيَّةٍ لأداءِ النُّسُكِ في زمنٍ مخصوصٍ.
    وشُرُوطُهُ خمسةٌ:
    -الإسلامُ.
    -والعَقْلُ.
    -والبُلوغُ.
    -والحُرِّيَّةُ.
    - والاستطاعةُ.
    وأَشْهُرُهُ:
    -شَوَّالٌ.
    -وذُو القَعْدَةِ.
    - وَعَشْرُ ذِي الحِجَّةِ.

    ومَوَاقِيتُهُ:
    -ذُو الحُلَيْفَةِ.
    -والجُحْفَةُ.
    -ويَلَمْلَمُ.
    -وقَرْنُ المنازلِ.
    - وذاتُ عِرْقٍ.
    وأَرْكَانُهُ:
    - الإحرامُ.

    -والطَّوَافُ.
    -والسَّعْيُ.
    - والوقوفُ بعَرَفَةَ.
    ووَاجِبَاتُهُ:
    -الإحرامُ من الميقاتِ.
    -والوقوفُ بعَرَفَةَ إلى الغروبِ.
    -والمَبِيتُ بمُزْدَلِفَةَ.
    -والمَبِيتُ بِمِنًى أَيَّامَ التشريقِ.

    -والرَّمْيُ.
    - والحَلْقُ أو التقصيرُ.
    -وطوافُ الوداعِ.
    (قالَ: صَدَقْتَ):هذا يَدُلُّ على أنَّهُ يَعْرِفُ الحُكْمَ، لَكِنَّهُ سألَ لتعليمِ الناسِ وبيانِ أَدَبِ التَّعَلُّمِ.

    والصِدْقُ: هوَ الإتيانُ بما يُطَابِقُ الواقعَ.
    (قالَ: فَأَخْبِرْنِي عن الإيمَانِ)

    (الإيمانُ) لُغَةً: التصديقُ.
    وشرعاً: إقْرَارُ القلبِ المستلزمِ للقولِ والعملِ؛ أي:
    -اعتقادُ القلبِ.
    -وقولُ اللسانِ.
    - وعملُ القلبِ والجوارحِ.
    يَزِيدُ بالطاعةِ ويَنْقُصُ بالمعصيَةِ.
    وإذا انفردَ الإيمانُ فهوَ الدِّينُ كُلُّهُ، وإذا انفردَ الإسلامُ فهوَ الدِّينُ كُلُّهُ.
    وإذا اقترنَ الإيمانُ بالإسلامِ: فالإسلامُ هوَ الأعمالُ الظاهرةُ، والإيمانُ هوَ الأعمالُ الباطنةُ كما في الحديثِ.
    قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ)) أيْ: تُصَدِّقَ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وبِرُبُوبِيَّتِهِ وبِأُلُوهِيَّتِهِ وبأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ.
    ((ومَلائِكَتِهِ)) الملائكةُ: عَالَمٌ غَيْبِيٌّ نُورَانِيٌّ جُسْمَانِيٌّ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ بالليلِ والنهارِ لا يَسْأَمُونَ.
    ولهمْ وظائفُ كثيرةٌ، منها: الوَحْيُ والنباتُ والمَطرُ والنفخُ في الأجسادِ بعدَ الموتِ ونفخُ الرُّوحِ في الجنينِ وكتابةُ الأعمالِ وحفظُ الأجسادِ، وملكُ الموتِ وأَعْوَانُهُ للرحمةِ أو العذابِ، ومَلِكُ الجبالِ وغيرُ ذلكَ.
    ((وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ)) و(كُتُبِهِ) المرادُ الكتبُ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ على رُسُلِهِ.
    وهيَ سِتَّةٌ:
    -القرآنُ.
    -والتوراةُ.
    -والإنجيلُ.
    -والزَّبُورُ.
    -وصحفُ إبراهيمَ.
    - وصحفُ موسى.
    ونُؤْمِنُ إجمالاً بما لا نَعْلَمُهُ.
    و(رُسُلِهِ) أي: الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُم اللَّهُ تعالى إلى الناسِ.

    والرسولُ: مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إليهِ مِن البَشَرِ الذُّكُورِ بشرعٍ وأُمِرَ بالتبليغِ.
    وقيلَ: إِنَّ الرَّسُولَ مَنْ جَاءَ بِشَرْعٍ جديدٍ.
    وعَدَدُهُم: ثَلاثُمِائَةٍِ وخمسةَ عشرَ رسولاً؛ منهم خمسةٌ همْ أُولو العَزْمِ.
    والمذكورونُ في القرآنِ: خمسةٌ وعشرونَ رَسُولاً.
    (واليومِ الآخِرِ) هوَ يومُ القيامةِ.
    وسُمِّيَ الآخِرَ؛ لأنَّهُ لا يومَ بَعْدَهُ.
    والقيامةُ ثلاثٌ:
    -صُغْرَى: عندَ الموتِ.
    -ووُسْطَى وهيَ: موتُ أهلِ القرنِ الواحدِ.
    - وكُبْرَى وهيَ: بعثُ الناسِ مِنْ قُبُورِهِم للحسابِ.
    ((وبالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)) (القَدَرُ)
    أيْ: تَقْدِيرُ اللَّهِ تعالى للكَائِنَاتِ حَسْبَمَا سبقَ بهِ عِلْمُهُ واقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ، وهوَ سِرُّ اللَّهِ الذي لا يَعْلَمُهُ إلاَّ هوَ.
    ومَرَاتِبُهُ:
    -العلمُ.

    - والكتابةُ.
    -والمشيئةُ.
    - والخَلْقُ.
    وحَقِيقَتُهُ: أنْ تَعْلَمَ أنَّ ما أَصَابَكَ لمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.

    (خَيْرِهِ) أيْ: ما كانَ فيهِ مِن الخيرِ.
    وأَمَّا قولُهُ (شَرِّهِ)؛ أيْ: شرٌّ للمخلوقِ، ولَكِنَّهُ مِن اللَّهِ تعالى لِحِكْمَةٍ، فهوَ شرٌّ جُزْئِيٌّ وليسَ شَرًّا كُلِّيًّا.

    (1) مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
    قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ رحمَهُ اللَّهُ: (هَذَا حديثٌ عظيمٌ، اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ وَظائفِ الأعمالِ الظَّاهرةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَعُلُومُ الشَّريعةِ كلُّهَا راجعةٌ إِلَيْهِ، ومُتَشَعِّبَةٌ مِنْهُ، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِن جمعِهِ عِلْمَ السُّنَّةِ، فَهُو كالأمِّ للسُّنَّةِ، كَمَا سُمِّيَتِ الفاتحةُ (أمَّ الْقُرْآنِ) لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِن جَمْعِهَا معانيَ الْقُرْآنِ).
    وقالَ ابنُ رجبٍ: (وَهُو حديثٌ عظيمُ الشَّأنِ جِدًّا، يَشتملُ عَلَى شرحِ الدِّينِ كلِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخرِهِ: ((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ))) ا. هـ


    وَقَالَ النَّوويُّ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمْ أنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أنواعًا مِن الْعُلُومِ، وَالْمَعَارِفِ، والآدابِ، واللطائفِ، بَلْ هُو أَصْلُ الإِسْلامِ).
    قُلْتُ: ولذلك ساقَهُ فِي أَرْبَعينِهِ رَحِمَهُ اللَّهِ.
    الإسلامُ: الإسلامُ والاستسلامُ
    فِي اللغةِ: الانقيادُ.
    وَفِي الشَّرعِ: إِظْهَارُ الخضوعِ، وَإِظْهَارُ الشَّريعةِ، وَالْتِزَامُ مَا أتَى بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذلكَ يُحقَنُ الدَّمُ، ويُسْتَدْفَعُ المكروهُ.
    وفي الْحَدِيثِ الَّذي بَيْنَ أيدينَا عرَّفَهُ حَبِيبُ ربِّ الْعَالِمِينَ عَلَيْهِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ: بأعمالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهرَةِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ:
    - فالتَّلفُّظُ بالشَّهادتينِ:
    عملُ اللسانِ.
    - والصَّلاةُ والصَّومُ:
    عملٌ بدنيٌّ.
    - وزكاةُ المالِ:
    عملٌ ماليٌّ.
    - والحجُّ:
    بدنيٌّ ماليٌّ.
    وفيهِ أنَّ جَمِيعَ الواجباتِ الظَّاهرةِ دَاخِلَةٌ فِيهِ ، وإنَّما ذَكَرَ الصَّلاةَ وباقيَ الأركانِ؛ لأنَّها الأصولُ الَّتي يُبْنَى عليهَا.

    وممَّا يَشْهَدُ أنَّ كلَّ الواجباتِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الإِسْلامِ
    قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).
    كما أنَّ تَرْكَ المحرَّمَاتِ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الإِسْلامِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مـِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)).
    الإيمانُ:
    الكلامُ حولَ الإيمانِ يَطُولُ وَلَكِنْ سأتناولُ بَعْضَ النِّقاطِ الآتيَةِ:

    1- أَصْلُ الإيمانِ: التَّصديقُ ، وعَرَّفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بالإيمانِ لِمَا بَطَنَ مِن الاعتقاداتِ، كَمَا ذَكَرَ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى الإيمانَ فِي كتابِهِ بهذِهِ الأصولِ فِي مَوَاضِعَ، أَذْكُرُ مِنْهَا قولَهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
    وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ:
    أنَّ الإيمانَ قَوْلٌ وعملٌ ونيَّةٌ، وأنَّ الأعمالَ كلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسمَّى الإيمانِ.
    حَكَى الشَّافعيُّ عَلَى ذَلِك إِجْمَاعَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم ممَّنْ أَدْرَكَهُم، وسيأتي تَفْصِيلُ ذلِكَ، إِنْ شاءَ اللَّهُ.

    2- الإِسْلامُ وَالإِيمَانُ:
    قَالَ ابنُ رجبٍ: (وأمـَّا تَفريقُ النَّبيِّ بَيْنَ الإيمانِ والإسلامِ فِي تعريفِهِ، وإدخالُهُ الأعمالَ فِي مُسمَّى الإِسْلامِ دُونَ الإيمانِ، فإنَّهُ يَتَّضِحُ بتقريرِ أَصْلٍ وَهُو: أنَّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ شامِلاً لِمُسمَّياتٍ مُتعدِّدَةٍ عِنْدَ إفرادِهِ وإطلاقِهِ، فَإِذَا قُرِنَ ذَلِك الاسْمُ بغيرِهِ صَارَ دَالاًّ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمُسمَّياتِ، وَالاسْمُ المقرونُ بِهِ دالٌّ عَلَى باقيها.
    وَهَذَا كاسمِ الْفَقِيرِ والمسكينِ، فَإِذَا أُفْرِدَ أحدُهُما دَخَلَ فِيهِ كلُّ مَنْ هُو مُحتاجٌ، فَإِذَا قُرِنَ أحدُهُما بالآخَرِ دَلَّ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ ذَوِي الحاجاتِ والآخَرُ عَلَى باقيها.
    فهكذا اسْمُ الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ، إِذَا أُفردَ أحدُهُما دخلَ فِيهِ الآخَرُ، ودلَّ بانفرادِهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الآخَرُ بانفرادٍ، فَإِذَا قُرِنَ بينَهما دلَّ أحدُهُما عَلَى بَعْضِ مَا يدلُّ بانفرادِهِ، ودَلَّ الآخَرُ عَلَى البَاقِي) اهـ.
    إذا قُرِنَ فِي نصٍّ بَيْنَ الإيمانِ والإسلامِ يَكُونُ بينَهما فَرْقٌ.
    فَيَكُونُ الإيمانُ: هُو تصديقَ القلبِ وإقرارَهُ ومَعْرِفتَهُ.
    وَيَكُونُ الإِسْلامُ بِمَعْنَى: الاستسلامِ لِلَّهِ والخضوعِ والانقيادِ لَهُ بِالْعَمَلِ.
    وعلَى هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ:
    كلُّ مُؤْمِنٍ مسلِمٌ، وَلَيْسَ كلُّ مسلمٍ مُؤْمِنًا؛ لأنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَنقادُ بالأعمالِ الظَّاهرةِ، كالصَّلاةِ والحجِّ والزَّكاةِ وغيرِهَا تَظَاهُرًا ونِفاقًا، وَقَدْ يَنقادُ وإيمانُهُ وتَصديقُهُ ضعيفٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

    بَيَّنَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهم لَم يكونُوا مُنافقينَ بالكُلِّيَّةِ، بَلْ كَانُوا ضَعيفِي الإيمانِ.
    3- عقيدةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنَّ الْعَمَلَ مِن الإيمانِ، وَذَلِك للأدلَّةِ الْمُستفيضةِ، وأَذْكُرُ مِنْهَا قولَهُ جلَّ وَعَلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}.
    بيَّنَ جلَّ وَعَلا بأنَّ المؤمنَ مَنْ كَانَتْ هَذِه صفاتِهِ:
    - إيمانٌ بالقلبِ.
    - وعملٌ بالواجباتِ.
    وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).
    فإماطةُ الأذَى عملٌ، وعَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الإيمانِ.
    قالَ ابنُ بَطَّالٍ: (وَهَذَا الْمَعْنَى أرادَ البخاريُّ رحمَهُ اللَّهُ إثباتَهُ فِي كِتَابِ الإيمانِ، وَعَلَيْهِ بَوَّبَ أبوابَهُ كلَّهَا، فقالَ: بابُ أمورِ الإيمانِ، وبابُ الصَّلاةِ مِن الإيمانِ، وبابُ الزَّكاةِ مِن الإيمانِ، وبابُ الْجِهادِ مِن الإيمانِ، وَسَائِرُ أبوابِهِ، وإنَّمَا أرادَ الردَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قولِهِم: إنَّ الإيمانَ قَوْلٌ بِلا عملٍ، وتَبيينَ غَلَطِهِم وسوءِ اعتقادِهِم، ومُخالفَتِهم لِلْكِتَابِ والسُّنَّةِ، ومَذاهبِ الأئمَّةِ).
    4- عقيدةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنْقُصُ، وحُجَّتُهم فِي ذَلِك قولُهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}.
    وقولُهُ: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
    وقولُهُ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}، وغيرُهَا مِن الأَدِلَّةِ.
    قالَ ابنُ بطَّالٍ: (فإيمانُ مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيادةُ ناقصٌ، قَالَ:
    فَإِنْ قِيلَ: الإيمانُ فِي اللغةِ: التَّصديقُ.
    فالجوابُ: أنَّ التَّصديقَ يَكْمُلُ بالطَّاعاتِ كلِّهَا، فكُلَّمَا ازدادَ المؤمنُ مِنْ أعمالِ الْبِرِّ كَانَ إيمانُهُ أَكْمَلَ، وبهذه الجملةِ يَزيدُ الإيمانُ، وبِنُقْصَانِهَا يَنْقُصُ، فمتَى نَقَصَتْ أعمالُ الْبِرِّ، نَقَصَ كَمَالُ الإيمانِ، ومتَى زادَتْ زادَ الإيمانُ كَمالاً، هَذَا تَوَسُّطُ الْقَوْلِ فِي الإيمانِ)اهـ.
    وقالَ ابنُ عَبْدِ الرزَّاقِ: (سمعـْتُ مَنْ أدركْتُ مِن شيوخِنَا وأصحابِنَا: سفيانَ الثَّوريَّ، ومالكَ بْنَ أنسٍ، وعبدَ اللَّهِ بْنَ عمرَ، والأَوْزَاعِيَّ، ومَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ، وابنَ جُرَيْجٍ، وسفيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يقولونَ: (الإيمانُ قَوْلٌ وعملٌ، ويَزيدُ ويَنْقُصُ، وَهَذَا قَوْلُ ابنِ مسعودٍ، وحُذيفةَ، والنَّخَعِيِّ، والحسَنِ البَصريِّ، وعَطاءٍ، وطاوُوسٍ، ومُجَاهِدٍ، وعبدِ اللَّهِ بْنِ المبارَكِ) اهـ.
    5- المؤمنونُ يَتفاضلونَ بالإيمانِ، فإيمانُ الصِّدِّيقينَ الَّذين يُصْبِحُ عندَهُم الْغَيْبُ كالشَّهادَةِ، لَيْسَ كغيرِهِم ممَّنْ لَم يَبْلُغْ هَذِه الدَّرجةَ.
    وَلِهَذَا قَالَ بعضُهُم: (مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بكرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بكثرةِ صومٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ).
    وسُئِلَ ابنُ عمرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: هَل كَانَ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضحَكونَ؟.
    قَالَ: (نَعمْ، وَالإِيمَانُ فِي قلوبِهِمْ أَعظمُ مِن الْجَبَلِ).
    قَالَ ابنُ رجبٍ: (فأينَ هَذَا ممَّن الإيمانُ فِي قلبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً أَو شَعيرةً، كالَّذينَ يَخرُجُونَ مِن أَهْلِ التَّوحيدِ مِن النَّارِ، فهؤلاءِ يَصِحُّ أَنْ يُقالَ: لَمْ يدخلِ الإيمانُ فِي قلوبِهِم، لضَعْفِهِ عندَهُم).
    الإيمانُ بالقضاءِ والقَدَرِ:
    القضاءُ : حُكْمُ اللَّهِ سبحانَهُ أَزَلاً بِوُجُودِ الشَّيءِ أَو عدمِهِ.
    والقَدَرُ: إِيجَادُ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيءَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ فِي وَقْتٍ خاصٍّ، وَقَدْ يُطْلَقُ كلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ.
    فالإيمانُ بالقَدَرِ رُكْنٌ مِن أركانِ الإيمانِ، كَمَا بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّريفِ: ((وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
    وَسَبَبُ إيرادِ ابنِ عمرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما هَذَا الْحَدِيثَ،
    كَانَ ردًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ القَدَرَ، وزَعَمَ أنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ، بِمَعْنَى: أنَّهُ مُستَأْنَفٌ، لَم يَسْبِقْ لَه سابقُ قَدَرٍ مِن اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
    وَلَقَدْ غَضِبَ ابنُ عمرَ مِن مَقالَتِهِم غَضَبًا شَديدًا، وأَغْلَظَ لَهُم الْقَوْلَ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُم، وبيَّنَ بأنَّ أعمالَهُم مَردودةٌ عَلَيْهِم، لا تُقْبَلُ مِنْهُم إِلا بإيمانِهِم بالقَدَرِ.
    والإيمانُ بالقَدَرِ يَكُونُ عَلَى وَجهينِ، كَمَا بيَّنَ العُلماءُ:
    1- التَّصديقِ بأنَّ اللَّهَ جلَّ وَعَلا سَبقَ فِي علمِهِ مَا يَعمَلُهُ عِبادُهُ مِن خَيْرٍ وشرٍّ، وطاعةٍ ومعصيَةٍ، قَبْلَ إيجادِهِم، ومَنْ هُو مِنْ أَهْلِ السَّعادةِ، ومَنْ هُو مِنْ أَهْلِ الشَّقاءِ، ودَوَّنَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ المحفوظِ.
    قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) قَالَ: ((وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)).

    وأعمالـُهـُم لا بدَّ أَنْ تَكُونَ مطابِقةً لِمَا كتَبَهُ اللَّهُ عليهِمْ جلَّ وَعَلا، وتَجْرِي عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ سبحانَهُ.
    ولقدْ نَفَى غُلاةُ القَدَرِيَّةِ كمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وعمرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وغيرِهِم هَذَا، وخالَفوا مَا عَلَيْهِ سَلَفُ الأمَّةِ، فضَلُّوا سَوَاءَ السَّبيلِ.
    وذَهَبَ أَحْمَدُ والشَّافعيُّ، وغيرُهُم مِن أئمَّةِ الإِسْلامِ إِلَى الْقَوْلِ بتكفيرِ مَن أَنْكَرَ العِلْمَ الْقَدِيمَ.

    2- إنَّ اللَّهَ جلَّ جلالُهُ خَلَقَ أفعالَ العِبادِ كلَّهَا، مِنْ كُفْرٍ وإيمانٍ، وطاعةٍ ومَعصيَةٍ، وشاءَهَا منهُم، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
    هذا مُعتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وخالفَهُم بِذَلِك القَدَرِيَّةُ، الَّذين بدأَتْ بِدْعَتُهُم فِي أواخرِ زمَنِ الصَّحابةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم؛ لِذَلِك لَمَّا أُخْبِرَ ابنُ عمرَ بخَبَرِهِم قَالَ لِمَنْ أخبرَهُ: (إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُم أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي، والَّذي يَحْلِفُ بِه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرَ، لَو أنَّ لأحدِهِم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْه حتَّى يُؤْمِنَ بالْقَدَرِ).
    العاصِمُ مِن الزَّلَلِ فِي القضاءِ والقَدَرِ:
    ممَّا هُو معروفٌ، أنَّ كثيرًا مِنَ النَّاسِ انْحَرَفَ فِي فَهْمِ الإيمانِ بالقَدَرِ عمَّا كَانَ عَلَيْهِ سلفُ الأمَّةِ، ويَرْجِعُ ذَلِك لأمورٍ:
    مِنْهَا:

    استغلَّ أعداءُ الإِسْلامِ الحاقدونَ القَدَرَ فِي إضلالِ النَّاسِ، حَيْثُ وَجَدُوا فِي نُصوصِهِ مَنْفَذًا لإضلالِ المسلمينَ، وإلقاءِ الشُّبُهاتِ عَلَيْهِم، وضَرْبِ نصوصِهِ بعضِها بِبَعْضٍ، فَتَأَثَّرَ كثيرٌ مِن المسلمينَ بهؤلاءِ، وضَلُّوا عَن الفَهْمِ السَّويِّ فِي هَذَا الرُّكنِ.
    فمنهُمْ:
    مَن وَصَفَ اللَّهَ بالظُّلمِ والعَبَثِ.
    ومنهم:
    مَنْ فَوَّضَ فَهْمَ النُّصوصِ الَّتي وَرَدَتْ كَمَا فَوَّضَ فَهْمَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعةِ فِي أوائلِ السُّوَرِ.
    ومعلومٌ أنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِتَدَبُّرِهَا، وَلَم يَقْفِلِ البَابَ فِيهَا، وَلَو شاءَ لفَعَلَ، كَمَا قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}.
    3- الفَهْمُ القاصرُ لنصوصِ القَدَرِ، فمنهُمْ مَنْ يَخْلُصُ بفهمٍ عامٍّ مِن نصٍّ يَتَكلَّمُ عَن جزئيَّةٍ مِن الموضوعِ، كَمَا فَهِمَ البعضُ مِن قولِهِ:{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، بأنَّ المشيئَةَ كلَّها لِلَّهِ، وأنَّ الْعَبْدَ لا مَشيئةَ لَهُ، بَلْ هُو مَجبورٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا الفَهْمُ ناتجٌ مِنَ الفَهْمِ الْجُزْئِيِّ لنصوصِ القَدَرِ، وعَدَمِ النَّظرةِ الشُّموليَّةِ للنُّصوصِ.
    4- تشابُكُ النُّصوصِ فِي هَذِه القضيَّةِ فِي أمورٍ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ التَّشابُكِ بَيْنَ السَّببِ والنَّتيجةِ، وبيْنَ إِرَادَةِ اللَّهِ جلَّ وَعَلا، وإرادةِ العَبْدِ، هَذَا التَّشابُكُ أَوْقَعَ الكثيرَ فِي اللَّبْسِ والْحَيْرَةِ.
    5- تَقْدِيمُ البعضِ أفهامَهُم القاصرةَ الْمُتَأَثِّرَةَ بِمَا دَسَّهُ الحاقدونَ عَلَى الإِسْلامِ عَلَى أَفهامِ سَلَفِ الأُمَّةِ، الَّذينَ زكَّاهُم رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتابِهِ، ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أحاديثِهِ المستفيضةِ، فِي بَيَانِ مَناقِبِهِم، فعلينا أَنْ نَتَتَلْمَذَ عَلَى أفهامِهِم فِي نصوصِ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّ الْخَيْرَ فِي ذَلِك، وصَدَقَ مَنْ قَالَ:


    فكلُّ خَيْرٍ فِي اتِّباعِ مَن سَلَفَ وكلُّ شرٍّ فِي ابتداعِ مَن خَلَفَ

    لذلك عَلَى الباحثِ فِي نصوصِ القضاءِ والقَدَرِ أَنْ يَعِيَ الأُمُورَ الآتيَةَ
    حتَّى يُعْصَمَ بإذنِ اللَّهِ تَعَالَى مِن الانحرافِ عَن الفَهْمِ السَّليمِ، الَّذي يُريدُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أَنْ نَعتَقِدَهُ فِي هَذَا الرُّكْنِ:
    1- التَّفريقُ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ وخَلْقِهِ:
    فلا بُدَّ مِنَ التَّفريقِ بَيْنَ عِلْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وعِلْمِ البَشَرِ، فهذه الصِّفَةُ لا بدَّ مِن إثباتِهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فاللَّهُ جلَّ وَعَلا لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَم يَسْبِقْ عِلْمَهُ جَهْلٌ.
    فَهُو يَعلمُ كلَّ مَا سَيَحْدُثُ فِي مُلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم عِلْمًا دَقيقًا كاملاً لا يَعتريهِ نَقْصٌ، لِذَلِك كَتَبَ فِي اللوحِ المحفوظِ كلَّ مَا سيَحدُثُ ويَقَعُ فِي مُلكِهِ مِن خَيْرٍ وشرٍّ، وسعادةٍ وشقاءٍ، وَلا بدَّ أَنْ يَكُونَ مُطابِقًا لِمَا كَتَبَ، وأَلا يَكُونَ هُنَاك نَقْصٌ بصفةِ الْعِلْمِ عندَهُ، وَاللَّهُ عزَّ وجلَّ مُنَزَّهٌ عَن النَّقائصِ.
    وما قِيلَ فِي صِفَةِ الْعِلْمِ يَعُمُّ جَمِيعَ صِفَاتِ رَبِّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فقُدرتُهُ ومَشيئتُهُ كاملةٌ، لا يَشوبُهَا عَجْزٌ وَلا نَقْصٌ وَلا قَهْرٌ، كَمَا يَعْتَرِي قُدْرَةَ ومشيئةَ الْخَلْقِ، حَيْثُ إنَّ مشيئَتَهُم محدودةٌ، يَعْتَرِيهَا النَّقْصُ والقهرُ، فكلُّ مَا يَقعُ بسُلطانِ رَبِّنا سبحانَهُ وَقَعَ بمشيئَتِهِ مِن: كفرٍ وإيمانٍ، وَهُو يَرْضَى لعبادِهِ الإيمانَ وَلا يَرْضَى لَهُم الكُفرَ.
    فالَّذينَ ظَنُّوا أنَّ الكافرَ يُوقِعُ كُفْرَهُ رَغْمًا عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ لا يَستطيعُ أَنْ يَمْنَعَهُ، هَؤُلاءِ يَعبدونَ ربًّا عاجزًا مَقهورًا مِن قِبَلِ خَلقِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عمَّا يَقُولُ الظَّالمونَ علوًّا كبيرًا.
    2- تَنزيهُ اللَّهِ جلَّ وَعَلا عَنِ النَّقائصِ: يَجِبُ عَلَى العِبادِ، أَنْ يُنَزِّهُوا ربَّهُم عَن العَبَثِ والْجَهْلِ والظُّلمِ وغيرِها مِن النَّقائصِ، قَالَ تَعَالَى مُنَزِّهًا نفسَهُ عَن الظُّلْمِ:
    {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.
    وَقَالَ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}.
    والظُّلمُ: هُو وَضْعُ الشَّيءِ بِغَيْرِ مَوْضِعِهِ.
    فيستحيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الإِنْسَانُ الهدايَةَ، ويَحْرِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
    وَكَذَلِك يَستحيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الإِنْسَانُ الإضلالَ وَلا يَكُونَ لَهُ.
    وَلَكِنْ قَدْ تَغِيبُ عنَّا عواقبُ الأُمُورِ، وَذَلِك لقِصَرِ فَهْمِنَا ولضَعْفِنَا، فعلَى الْعَبْدِ عندَما يَحِيرُ فِي أَمْرِ إنسانٍ ضَلَّ بَعْدَ استقامَتِهِ، أَنْ يَتَّهِمَ نفسَهُ وعَقْلَهُ، ويُنَزِّهَ ربَّهُ عَنِ الظُّلمِ، وبهذا يَنْجُو.
    3- النَّظرةُ الشُّموليَّةُ لنصوصِ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، والخروجُ بالْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِك، وَهَذَا يَنبغِي أَنْ يَكُونَ فِي جَميعِ قَضايا الدِّينِ:
    - تُجْمَعُ النُّصوصُ فِي القضيَّةِ.
    - ويُبْذَلُ الْجُهْدُ والوُسْعُ فِي فَهْمِهَا والتَّوفيقِ بينَها.
    ثمَّ يَصْدُرُ الْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِك.
    4- اللَّهُ عزَّ وجلَّ لا يُسألُ عمَّا يَفْعَلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
    فَإِذَا أرادَ أَنْ يَعْرِفَ الْعَبْدُ كلَّ مَا يَدورُ، وكلَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ اللَّهُ سبحانَهُ، مَعْنَى ذَلِك: يُريدُ هَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نفسَهُ إلهًا آخَرَ، ويُريدُ أَنْ يُشارِكَ ربَّهُ فِي صِفاتِهِ.
    فعندَما يُوحِي إليك الشَّيطانُ مَثَلاً هَذَا السُّؤالَ: لِمَاذا خَلَقَ اللَّهُ فُلانًا وَهُو يَعلمُ أنَّهُ مِن أَهْلِ النَّارِ؟ وغيرَهَا مِن الأسئلةِ.
    فتَذَكَّرْ هَذِهِ الآيَةَ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، ونَزِّهْهُ عَن الظُّلْمِ والعَبَثِ، وصِفْهُ بالْحِكمةِ والعَدْلِ، وبكلِّ صِفَاتِ الكمالِ، واتَّهِمْ فَهْمَكَ وعَقْلَكَ القاصِرَ، واحْذَرْ مِن وَساوِسِ إبليسَ، فإنَّهُ يَعْرِفُ الْمَدَاخِلَ الَّتي يُضِلُّ بِهَا العِبادَ عَن الصراطِ المستقيمِ.
    5- يَنبغِي الْعِلْمُ بأنَّ الْعَبْدَ مكلَّفٌ ببَذْلِ السَّببِ، والنَّتائجُ بيدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ كلُّ مَنْ بَذَلَ سَببًا مُعَيَّنًا، وَقَامَ بمثلِهِ آخَرُ يَصِلُ كِلاهما إِلَى نَفْسِ النَّتيجةِ، فقدْ يَسْعَى إنسانٌ ويَكْدَحُ وَلا يُحَصِّلُ مِن رِزْقِهِ إِلا القليلَ، ويَسْعَى آخَرُ بِجَهْدٍ قَلِيلٍ تَنْهالُ عَلَيْهِ الأموالُ والثَّرَواتُ، وَكَذَلِك قَدْ يَسْعَى الْعَبْدُ بالطَّاعةِ ويَشْقَى ويَنصَبُ وَلا يُوفَّقُ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}، فهؤلاءِ مَعَ سَعيِهِم ونَصَبِهِمْ عاقبتُهُم سَيِّئَةٌ، فالنَّتائجُ بيدِهِ سبحانَهُ يُرَتِّبُها عَلَى الأعمالِ بِناءً عَلَى عَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ سبحانَهُ.
    ثبتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: ((احْتـَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى.
    قَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الأَرْضِ !!
    قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَعْطَاكَ الأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّورَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟
    قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا.
    قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
    قَالَ: نَعَمْ.
    قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلاً كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟!)).

    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)).


    حَجـَّهُ؛ لأنَّ الإخراجَ مِنَ الجنَّةِ نَتِيجَةُ المعصيَةِ، والنَّتيجةُ مِن عندِهِ سبحانَهُ، أمَّا المعصيَةُ فقدْ وَقَعَتْ بإرادةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.

    هذه بَعْضُ الأُمُورِ الَّتي أراهَا مُهِمَّةً، ومُعِينَةً عَلَى فَهْمِ النُّصوصِ الَّتِي تَدورُ فِي فَلَكِ هَذِه القضيَّةِ.

    1) هَذَا الحَدِيثُ تَفَرَّدَ مُسْلِمٌ عن البُخارِيِّ بإِخْرَاجِهِ، فَخَرَّجَهُ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ قَالَ:
    كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ في القَدَرِ بالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أوْ مُعتَمِرَيْنِ.

    فَقُلْنَا: لوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ في القَدَرِ.


    فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ دَاخِلاً المَسْجِدَ، فاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وصَاحِبِي، أَحَدُنا عَنْ يَمِينِهِ، والآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سيَكِلُ الكَلامَ إِلَيَّ.فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، ويَتَقَفَّرُونَ العِلْمَ، وذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِم، وأنَّهم يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ، وأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. فَقَالَ: (إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فأَخْبِرْهُم أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُم، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي، والَّذي يَحْلِفُ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، لوْ أَنَّ لأَحَدِهِم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ منهُ حتَّى يُؤمِنَ بالقَدَر).
    ِ ثُمَّ قَالَ: (حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، فذَكَرَ الحَدِيثَ بطُولِهِ.


    ثُمَّ خَرَّجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، بَعْضُها يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وبَعْضُها يَرْجِعُ إِلَى يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وذَكَرَ أنَّ في بَعْضِ ألْفَاظِهَا زِيَادَةً ونَقْصًا.

    وقَدْ خَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ.
    وقَدْ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، إلا أنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وفيهِ زِيَادَاتٌ منها: في الإِسْلامِ قَالَ: ((وَتَحُجَّ وَتَعْتَم
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 139
    نقاط : 410
    السٌّمعَة : 6
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010
    العمر : 45
    الموقع : https://alfrqan.ahlamontada.net

    الجزء الاول  الحديث الثاني  لجبريل الطويل Empty لبحديث الثاني لجبريل الطويل

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء مارس 09, 2010 1:40 pm

    موضوعك قيم وجزاك الله خيرا

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 12:00 pm