تفسيرُ سورةِ الكافرونَ
(1-6){بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (3) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (4) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (5) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (6) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (7)} أي: قلْ للكافرينَ معلناً ومصرّحاً {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: تبرَّأ ممَا كانوا يعبدونَ منْ دونِ اللهِ، ظاهراً وباطناً.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}لعدمِ إخلاصكمْ للهِ في عبادتهِ، فعبادتكمْ لهُ المقترنةُ بالشركِ لا تسمى عبادةً، ثمَّ كرَّرَ ذلكَ ليدلَّ الأولُ على عدمِ وجودِ الفعلِ، والثاني على أنَّ ذلكَ قدْ صارَ وصفاً لازماً.
ولهذا ميَّزَ بينَ الفريقينِ، وفصلَ بينَ الطائفتينِ، فقالَ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} كمَا قالَ تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}{أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.
(1-2){قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}سَببُ نزولِ هذه السورةِ أنَّ الكفَّارَ سألوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يعبدَ آلهَتهُم سنةً، ويعبدُوا إلههُ سنةً، فأمرَهُ الله سُبْحانه أن يقولَ لَهُم: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لاَ أفعلُ ما تَطْلبونَ مِنِّي من عبادةِ ما تعبدونَ منَ الأصنامِ، أي: لستُ الآنَ أعبدُ آلهتكم.
(3){وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: ولستُم ما دمتُم على شِركِكُمْ وكُفرِكُم عابدينَ اللهَ الذي أعبدهُ.
(4){وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ} أي: في مستقبلِ أيامِي ومَا يأتي من عُمُري لن أعبدَ شيئاً مِنْ آلهتِكُم التي تعبُدُونها.
(5){وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: لن تَعْبدوا اللهَ في مستقبلِ أيَّامِكُم ما دمتُم على كفرِكم وعبادَتكم للأصنامِ.
فإنَّ عبادةَ الكفَّار باللهِ والمُشركِ بِهِ مرفوضةٌ لا يُعتدُّ بها، وقيلَ: في الآيات تَكرارٌ، والغرَضُ التَّأكيدُ، لقَطعِ أطماعِ الكفّارِ عن أنْ يجيبَهم رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما سألوهُ من عبادَته آلهتهم.
(6){لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي: إن رضيتُم بدينكُم فَقدْ رَضيتُ بدِيني، وإنَّ دينَكُم الذي هوَ الإشراكُ لكُم، لا يتَجَاوَزُكُم إليَّ، وَدِيني الَّذِي هو التوحيدُ مقصورٌ عليَّ، لا يَتَجاوَزُني إلى الحصولِ لكم.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}لعدمِ إخلاصكمْ للهِ في عبادتهِ، فعبادتكمْ لهُ المقترنةُ بالشركِ لا تسمى عبادةً، ثمَّ كرَّرَ ذلكَ ليدلَّ الأولُ على عدمِ وجودِ الفعلِ، والثاني على أنَّ ذلكَ قدْ صارَ وصفاً لازماً.
ولهذا ميَّزَ بينَ الفريقينِ، وفصلَ بينَ الطائفتينِ، فقالَ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} كمَا قالَ تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}{أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.
(1-2){قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}سَببُ نزولِ هذه السورةِ أنَّ الكفَّارَ سألوا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يعبدَ آلهَتهُم سنةً، ويعبدُوا إلههُ سنةً، فأمرَهُ الله سُبْحانه أن يقولَ لَهُم: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: لاَ أفعلُ ما تَطْلبونَ مِنِّي من عبادةِ ما تعبدونَ منَ الأصنامِ، أي: لستُ الآنَ أعبدُ آلهتكم.
(3){وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: ولستُم ما دمتُم على شِركِكُمْ وكُفرِكُم عابدينَ اللهَ الذي أعبدهُ.
(4){وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ} أي: في مستقبلِ أيامِي ومَا يأتي من عُمُري لن أعبدَ شيئاً مِنْ آلهتِكُم التي تعبُدُونها.
(5){وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي: لن تَعْبدوا اللهَ في مستقبلِ أيَّامِكُم ما دمتُم على كفرِكم وعبادَتكم للأصنامِ.
فإنَّ عبادةَ الكفَّار باللهِ والمُشركِ بِهِ مرفوضةٌ لا يُعتدُّ بها، وقيلَ: في الآيات تَكرارٌ، والغرَضُ التَّأكيدُ، لقَطعِ أطماعِ الكفّارِ عن أنْ يجيبَهم رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ما سألوهُ من عبادَته آلهتهم.
(6){لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أي: إن رضيتُم بدينكُم فَقدْ رَضيتُ بدِيني، وإنَّ دينَكُم الذي هوَ الإشراكُ لكُم، لا يتَجَاوَزُكُم إليَّ، وَدِيني الَّذِي هو التوحيدُ مقصورٌ عليَّ، لا يَتَجاوَزُني إلى الحصولِ لكم.
سورةُ الكافِرون
حُكِيَ في سببِ نزولها:
أحُكِيَ في سببِ نزولها:
نَّ قريشاً طلبت من الرسولِ صلى الله عليه وسلم أن يعبُدَ أصنامَهم سَنة، وهم يعبدونَ إلهَهُ سَنة، فأنزلَ الله هذه السورة براءةً من الكافرين وعبادتِهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه السورة في الركعة الثانية من الشفع، وفي الركعة الأولى من سُنَّة الطواف وسُنَّة الفجر، ووردَ عنه صلى الله عليه وسلم أنها تعدِلُ رُبعَ القرآن.
1- 6قولُه تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
يأمرُ اللهُ نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم أنْ يوجِّهَ الخِطاب لكلِّ الكافرين، ما داموا على الكُفر(1)، ويُخبرَهم أنَّه لا يعبدُ معبوداتِهم لا في حَاضِرِهِ ولا في مُسْتَقْبَلِهِ، وهو قوله: {لا أَعْبُدُ} ولا في مَاضِيه(2)، وهو قوله: {وَلا أَنَا عَابِدٌ} كما أنهم هُم لا يعبدونَ إلهه أبداً ما داموا على الكفر، وهو قوله عنهم في الموضِعَين: {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}(3).
ثمَّ ختمَ الآيات بتأكيد المُفاصَلةِ والبراءَةِ من مِلَّتِهم وشَرْعِهم، فقال: لكم ما تعتقدونَه من المِلَّةِ الكافِرةِ، وليَ ما أعتقِدُه من توحيدِ الله سبحانه، فلا يمكنُ أن نلتقي أبداً(4)، والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
الحاشية :
(1)انظر: (دقائق التفسير 6: 327) فقد نصَّ على أن الخطابَ موجَّهٌ للكفَّار ما داموا على الكفر، وإن أسلموا بعد ذلك خرجوا عن هذا الخطاب، وهذا يزيلُ إشكالاً وقعَ لبعضِ المفسِّرين المتأخِّرين من أن هذا العمومَ مخرومٌ بإيمانِ من آمنَ منهم بعد هذا الخطاب؛ كأبي سفيان، وغيره، والله أعلم.
(2)وقع خلاف بين العلماء في سبب تَكرار هاتين الجُملتين، واختِلاف صيغتِهما، وهو كلامٌ يطولُ ذِكره، فاختصرتُ منه ما اختارَه شيخ الإسلام (انظر: (دقائق التفسير) 6: 315 وما بعدها).
وقد سبقَ الحديث على (ما) التي تكرَّرت في الآيات الأربعِ عند قوله تعالى: {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا} ، وغيرها
(3)يلاحظُ أن قوله تعالى: {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} جاء في الموضعين جملةً اسميةً للدلالةِ على ثبوتهم في هذا الكُفر، وأن نفسَ نفوسِهِمُ الخبيثةَ الكافرةَ بريئةٌ من عبادة إلهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يعبدونَ الله ما داموا على الكفر. (انظر: (دقائق التفسير) 6/328).
(4) أطال ابنُ القيم في تفسير هذه الآيات، (انظر: (بدائع الفوائد) 133-247).
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
الشيخ:
يأمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للكافرين المتصفين بهذا الوصف حالة كفرهم: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وهذا خطاب للكافرين المتصفين بصفة الكفر، ولهذا ما جاء فيه يا أيها الأشخاص أو يا أيها النفر؛ لأن الحكم متعلق بالوصف.
{لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}أي: لا أعبد في الحاضر ولا في المستقبل ما تعبدونه أنتم في الحاضر أو المستقبل؛ لأن كليهما فعل مضارع، والفعل المضارع يدل على الحال والاستقبال.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}أي: لستم عابدين ما أعبد في الحال أو المستقبل.
{وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}أي: ولا أنا عابد في الحال ولا في المستقبل ما عبدتم في الماضي.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}في جميع الأحوال.
وهذه السورة يبين الله -جل وعلا- فيها أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لن يعبد إلههم الذي يعبدونه حال كفرهم، كما أنهم لن يعبدوا إله النبي -صلى الله عليه وسلم- حال كفرهم؛ لأنهم لو آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لعبدوا إلهه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يستحيل أن يعبد آلهتهم؛ لأنه لا يعبد إلا الله وحده.
وهذا قضاء على ما عرضه المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يعبدوا إلهه سنة وأن يعبد آلهتهم سنة، فأمره ربه جل وعلا، وأنزل عليه هذا الوحي، بأن يقول لهم ذلك، لكن إذا آمنوا فقد انتفى عنهم وصف الكفر، فعندئذٍ يعبد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يعبدون، وهم يعبدون ما يعبد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما وهم موصوفون بوصف الكفر الذي في صدر السورة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعبد ما يعبدون، وهم لا يعبدون ما يعبد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قرر الله -جل وعلا- ذلك على سبيل التهديد: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}أي: أنتم لكم دينكم الذي تتبعونه وتدينون به، وأنا لي ديني الذي أتبعه وهو دين الله جل وعلا، وهذا خرج مخرج التهديد لهم كقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} وهذا ليس راجعاً إلى مشيئتهم واختيارهم، بأنهم إن شاؤوا آمنوا، وإن شاؤوا كفروا، وإنما خرج مخرج التهديد، ولهذا قال الله -جل وعلا-: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}.
وهذه السورة جاءت كما أُمر خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- بأن يقول ذلك للمشركين: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} ونبينا -صلى الله عليه وسلم- تابع للخليل -عليه السلام- وأصل دين الأنبياء واحد، فهم في العقيدة سواء، ولهذا قال الله -جل وعلا-: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ}.