alfrqan

مرحبا بكم في موقعنا ومنتديات الفرقان نتمني لكم قضاء وقت جميل معنا والاستفادة بكل ما هوه جديد نأمل من الله ان نكون عند حسن ظنكم بنا في هذا الموقع الديني
ملاحظة هامة عند الاشتراك بالموقع والتسجيل لا تنسي الرسالة الذي ترسل اليك عبر الاميل لانها يوجد بها رابط التفعيل ويكون هناك رابطين الاول للموقع والثاني لتفعيل عضويتك لتمكنك من تسجيل الدخول بعد ذلك فالرجاء بعد التسجيل وقبل قيامك بالدخول اذهب الي رسائلك في الاميل تجد هذا الرابط الموجود وبعد الضغط عليه يمكن الدخول والاستمتاع معنا في موقعنا فاهلا وسهلا بك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

alfrqan

مرحبا بكم في موقعنا ومنتديات الفرقان نتمني لكم قضاء وقت جميل معنا والاستفادة بكل ما هوه جديد نأمل من الله ان نكون عند حسن ظنكم بنا في هذا الموقع الديني
ملاحظة هامة عند الاشتراك بالموقع والتسجيل لا تنسي الرسالة الذي ترسل اليك عبر الاميل لانها يوجد بها رابط التفعيل ويكون هناك رابطين الاول للموقع والثاني لتفعيل عضويتك لتمكنك من تسجيل الدخول بعد ذلك فالرجاء بعد التسجيل وقبل قيامك بالدخول اذهب الي رسائلك في الاميل تجد هذا الرابط الموجود وبعد الضغط عليه يمكن الدخول والاستمتاع معنا في موقعنا فاهلا وسهلا بك

alfrqan

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الشريعة والحياه

خبر عاجل-- عدد الشهداء حتي الان 142 شهيد و1115 جريح جلهم من الاطفال-- الحكومة الاسرائيلية تدعم مدن وبلدات الجنوب بـ 15 مليون شيقل--استشهاد الفتى احمد ابو عليان من بني سهيلا متأثرا بجراحه--استهداف مواطنين بصاروخ استطلاع واصابتهما بجراح في حي الشجاعية بغزة--اصابتان في قصف تحذيري قرب منزل مستشار هنية عصام الدعاليس--سقوط صاروخ على منطقة "بني شمعون" واندلاع حريق بعد انفجار الصاروخ--شهيد وثلاثة جرحى في غارة قرب مسجد الشافعي بجباليا--القسام تقصف قاعدة حتسور الجوية بـ 3 جراد واسدود بصاروخ محلي--اسرائيل تقصف منزلا غرب النصيرات والنيران تشتعل فيه بعد تدميره--المقاومه تسستبسل تجدد القصف الصاروخي على المدن والبلدات الاسرائيلية--اليوم 8 من الحرب -يبدأ باستهداف منازل ومقرات حكومية وجسر تاريخي--الطائرات الاسرائيلية تستأنف قصف أنفاق رفح بـ7 غارات واشتعال النار--ابو مرزوق: لا يجوز قتل العملاء بهذه الطريقة ويجب محاسبة المنفذين--قصف مركز شرطة محافظة خانيونس بعدد من الصواريخ--القسام تخترق بث القناتين العاشرة والثانية وتهدد سلاح المدرعات--نتنياهو: نفضل تسوية الوضع بالوسائل الدبلوماسية--طائرات اف 16 تدمر منزل عصام الدعاليس مستشار هنية وسط القطاع

نعلمكم انه تم تفعيل الموقع بعد انقطاع دام اشهر فاهلا وسهلا بكم من جديد والتفاعل مع الموقع بالمشاركات عبر الاميل التالي a_a213@hotmail.com ولكم جزيل الشكرا


    الحديث الاربعون النووية الحديث الاول إنما الاعمال بالنيات **** الجزء الرابع *****

    صوت الحق
    صوت الحق


    عدد المساهمات : 19
    نقاط : 43
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 07/03/2010

    الحديث الاربعون النووية الحديث الاول إنما الاعمال بالنيات  ****  الجزء الرابع ***** Empty الحديث الاربعون النووية الحديث الاول إنما الاعمال بالنيات **** الجزء الرابع *****

    مُساهمة من طرف صوت الحق الإثنين مارس 08, 2010 10:49 am

    وكذَلِكَ: قالَ أبو حَنِيفَةَ: (لوْ تَصَدَّقَ بالنِّصَابِ كُلِّهِ مِنْ غيرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُ عنْ زَكاتِهِ).
    وقدْ رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يُلَبِّي بالحَجِّ عنْ رَجُلٍ، فقالَ لَهُ: ((أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟)) قالَ: لا، قالَ: ((هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنِ الرَّجُلِ)).
    وقدْ تُكُلِّمَ فِي صِحَّةِ هذا الحديثِ، ولكنَّهُ صحيحٌ عن ابنِ عبَّاسٍ وغيرِهِ.
    وأَخَذَ بذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وأحمدُ فِي المشهورِ عنهُ، وغيْرُهما، فِي أَنَّ حَجَّةَ الإِسلامِ تَسْقُطُ بِنِيَّةِ الحَجِّ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ نَوَى التَّطَوُّعَ أوْ غيرَهُ.
    ولا يُشْتَرَطُ للحَجِّ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، فمَنْ حَجَّ عنْ غيرِهِ ولمْ يَحُجَّ عنْ نفسِهِ، وَقَعَ عنْ نفسِهِ، وكذا لوْ حَجَّ عَنْ نَذْرِهِ أوْ نَفْلاً، ولمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الإسلامِ؛ فإنَّهُ يَنْقَلِبُ عنها.
    وقدْ ثَبَتَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ أمَرَ أصحابَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بعدَمَا دَخَلُوا معَهُ وطَافُوا وسَعَوْا أنْ يَفْسَخُوا حَجَّهم، ويَجْعَلُوها عُمْرَةً، وكانَ مِنهم القارِنُ والمُفْرِدُ، وإنَّما كانَ طَوَافُهم عندَ قُدُومِهِم طوافَ القُدومِ وليسَ بفَرْضٍ، وقدْ أَمَرَهم أنْ يَجْعَلُوهُ طَوَافَ عُمْرَةٍ وهوَ فَرْضٌ.
    وقدْ أَخَذَ بذَلِكَ الإمامُ أحمدُ فِي فَسْخِ الحَجِّ، وعَمِلَ بِهِ، وهوَ مُشْكِلٌ على أَصْلِهِ؛ فإنَّهُ يُوجِبُ تَعْيِينَ الطَّوَافِ الواجِبِ للحَجِّ والعُمْرَةِ بالنِّيَّةِ.
    وخالفَهُ فِي ذَلِكَ أكثرُ الفُقَهَاءِ، كمالِكٍ والشَّافِعِيِّ وأبي حَنِيفَةَ.
    وقدْ يُفَرِّقُ الإمامُ أحمدُ بينَ أنْ يكونَ طَوَافُهُ فِي إحرامٍ انْقَلَبَ، كالإحرامِ الَّذي يَفْسَخُهُ ويَجْعَلُهُ عُمْرَةً، فيَنْقَلِبُ الطَّوَافُ فيهِ تَبَعًا لانْقِلابِ الإحرامِ، كما يَنْقَلِبُ الطَّوافُ فِي الإحرامِ الَّذي نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ إذا كانَ عليهِ حَجَّةُ الإسلامِ، تَبَعًا لانقلابِ إِحْرَامِهِ مِنْ أصْلِهِ، وَوُقُوعِهِ عنْ فَرْضِهِ.
    بخلافِ ما إذا طافَ للزيارَةِ بنِيَّةِ الوَدَاعِ أو التَّطوُّعِ، فإنَّ هذا لا يُجْزِئُهُ؛ لأنَّهُ لمْ يَنوِ بهِ الفَرضَ، ولم يَنْقَلِبْ فَرْضًا تَبَعًا لانْقِلابِ إحرامِهِ، واللَّهُ أعلمُ.
    ومِمَّا يَدْخُلُ فِي هذا البابِ: أنَّ رَجُلاً فِي عهدِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ قدْ وَضَعَ صَدَقَتَهُ عندَ رجُلٍ، فجاءَ ابنُ صاحِبِ الصَّدَقَةِ فأخذَها مِمَّنْ هيَ عندَهُ، فعَلِمَ بذَلِكَ أَبُوهُ، فخَاصَمَهُ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: ما إيَّاكَ أَرَدْتُ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمُتَصَدِّقِ: ((لَكَ مَا نَوَيْتَ))، وقالَ للآخِذِ: ((لَكَ مَا أَخَذْتَ)) خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ.
    وقدْ أخَذَ الإِمامُ أحمدُ بهذا الحديثِ ، وعَمِلَ بِهِ فِي المنصوصِ عنهُ، وإنْ كانَ أكثرُ أصحابِهِ على خلافِهِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ إنَّما يُمْنَعُ مِنْ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلى وَلَدِهِ خَشْيَةَ أنْ يكونَ مُحَابَاةً، فإِذا وَصَلَتْ إلى وَلَدِهِ مِنْ حيثُ لا يَشْعُرُ، فالمُحَابَاةُ مُنْتَفِيَةٌ، وهوَ مِنْ أهلِ اسْتِحْقَاقِ الصَّدَقَةِ فِي نفسِ الأمرِ؛ ولهذا لوْ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا، وكان غَنِيًّا فِي نَفْسِ الأمْرِ، أجزأَتْهُ على الصَّحيحِ؛ لأنَّهُ إنَّما دفَعَ إلى مَنْ يَعْتَقِدُ اسْتِحْقَاقَهُ، والفَقْرُ أمْرٌ خَفِيٌّ لا يَكَادُ يُطَّلَعُ على حَقِيقَتِهِ.
    وأمَّا الطَّهارةُ: فالخلافُ فِي اشتراطِ النِّيَّةِ لها مشهورٌ.
    وهوَ يَرْجِعُ إلى أنَّ الطَّهَارَةَ للصَّلاةِ هلْ هيَ عبادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، أمْ هيَ شَرْطٌ منْ شروطِ الصَّلاةِ، كإزالةِ النَّجاسةِ وسَتْرِ العورةِ؟
    - فمَنْ لمْ يَشْتَرِطْ لَها النِّيَّةَ: جعَلَها كسائِرِ شُروطِ الصَّلاةِ.
    - ومَن اشْتَرَطَ لَهَا النِّيَّةَ: جعَلَها عبادةً مُسْتَقِلَّةً.
    فإذا كانَت عِبَادَةً فِي نفسِها لمْ تَصِحَّ بدونِ نِيَّةٍ ، وهذا قولُ جمهورِ العلماءِ.
    ويَدُلُّ على صِحَّةِ ذَلِكَ: تَكَاثُرُ النُّصوصِ الصَّحِيحَةِ عَن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ الوُضُوءَ يُكَفِّرُ الذُّنوبَ والخطايا، وأنَّ مَنْ تَوَضَّأَ كما أُمِرَ كانَ كَفَّارةً لذُنُوبِهِ.
    وهذا يَدُلُّ على أنَّ الوُضُوءَ المَأْمُورَ بِهِ فِي القرآنِ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بنفسِهَا
    ؛ حيثُ رُتِّبَ عليهِ تَكْفِيرُ الذُّنوبِ.
    والوُضوءُ الخالي عن النِّيَّةِ لا يُكَفِّرُ شيئًا من الذُّنُوبِ بالاتِّفاقِ، فلا يكونُ مأمورًا بهِ، ولا تَصِحُّ بهِ الصَّلاةُ؛ ولهذا لمْ يَرِدْ فِي شيءٍ منْ بَقِيَّةِ شرائِطِ الصَّلاةِ؛ كإزالَةِ النَّجاسَةِ وسَتْرِ العَوْرَةِ، ما وَرَدَ فِي الوُضوءِ مِن الثَّوابِ.

    ولوْ شَرَكَ بينَ نِيَّةِ الوُضُوءِ وبينَ قَصْدِ التَّبَرُّدِ، أوْ إزالةِ النَّجاسَةِ أوالوَسَخِ ، أَجْزَأَهُ فِي المنصوصِ عن الشَّافِعِيِّ، وهوَ قولُ أكثرِ أصحابِ أحمدَ؛ لأنَّ هذا القصدَ ليسَ بمُحَرَّمٍ ولا مَكْرُوهٍ؛ ولهذا لوْ قَصَدَ معَ رَفْعِ الحدَثِ تعليمَ الوُضُوءِ لمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ.
    وقدْ كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصِدُ أحيانًا بالصَّلاةِ تعليمَها للنَّاسِ، وكذَلِكَ الحَجُّ، كما قالَ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).
    ومِمَّا تدخُلُ النِّيَّةُ فيهِ مِنْ أبوابِ العِلْمِ:
    مسائِلُ الأيْمانِ. فلَغْوُ اليمينِ لا كَفَّارةَ فيهِ، وهوَ ما جَرَى على اللِّسانِ مِنْ غيرِ قَصْدٍ بالقَلْبِ إليهِ، كقولِهِ: (لا واللَّهِ، وبَلَى واللَّهِ)، فِي أثناءِ الكلامِ.
    قالَ تعالى:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[ البقرة: 225].
    وكذَلِكَ يُرْجَعُ فِي الأَيْمَانِ إلى نِيَّةِ الحالِفِ وما قَصَدَ بيَمِينِهِ.
    فإنْ حَلَفَ بطلاقٍ أوْ عَتَاقٍ، ثمَّ ادَّعَى أنَّهُ نوَى ما يُخالِفُ ظاهِرَ لفْظِهِ، فإنَّهُ يُدَيَّنُ فيما بينَهُ وبينَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
    وهلْ يُقْبَلُ مِنهُ فِي ظاهِرِ الحُكْمِ؟
    فيهِ قولانِ للعُلَمَاءِ مشهورانِ، وهما روايتانِ عَنْ أحمَدَ.
    وقدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ رُفِعَ إليهِ رَجُلٌ قالَتْ لهُ امْرَأَتُهُ: شَبِّهْنِي، قالَ: كَأَنَّكِ ظَبْيَةٌ، كأنَّكِ حَمَامةٌ، فقالَتْ: لا أَرْضَى حتَّى تَقُولَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ.
    فقالَ ذَلِكَ، فقالَ عُمَرُ: (خُذْ بِيَدِهَا؛ فهيَ امْرَأَتُكَ).
    خرَّجَهُ أبو عُبَيْدٍ. وقالَ: أرادَ النَّاقَةَ تكونُ مَعْقُولَةً، ثُمَّ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا ويُخلَّى عنها، فهيَ خَلِيَّةٌ مِن العِقَالِ، وهيَ طالِقٌ؛ لأنَّها قدْ طَلَقَتْ مِنهُ.
    فأرَادَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، فأَسْقَطَ عنهُ عُمَرُ الطَّلاقَ لنِيَّتَهِ.
    قالَ: وهذا أَصْلٌ لكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بشيءٍ يُشْبِهُ لَفْظَ الطَّلاقِ والعَتَاقِ، وهوَ يَنْوِي غيْرَهُ، أنَّ القولَ فيهِ قولُهُ فيما بينَهُ وبينَ اللَّهِ، وفي الحُكْمِ على تأويلِ مَذْهَبِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.
    ويُرْوَى عنْ سُمَيْطٍ السَّدُوسِيِّ قالَ: (خَطَبْتُ امْرَأَةً، فقالُوا: لا نُزَوِّجُكَ حتَّى تُطَلِّقَ امْرَأَتَكَ، فقُلْتُ: إنِّي قدْ طَلَّقْتُها ثلاثًا، فَزَوِّجُونِي.
    ثُمَّ نَظَرُوا فإِذا امْرَأَتِي عندِي، فقالُوا: ألَيْسَ قدْ طلَّقْتَها ثلاثًا؟
    فقُلْتُ: كانَ عندِي فُلانَةٌ فَطَلَّقْتُها، وفُلانةٌ فطَلَّقْتُها، فأمَّا هذهِ فلمْ أُطلِّقْها، فأَتَيْتُ شَقِيقَ بنَ ثَوْرٍ وهوَ يُرِيدُ الخروجَ إلى عثمانَ وافِدًا، فقُلْتُ: سَلْ أميرَ المؤمنينَ عَنْ هذهِ، فخَرَجَ فسأَلَهُ، فقالَSadنِيَّتُهُ).
    خَرَّجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي (كتابِ الطَّلاقِ)، وحَكَى إجماعَ العُلماءِ على مِثلِ ذَلِكَ.
    وقالَ إسحاقُ بنُ مَنْصُورٍ: (قُلْتُ لأحمدَ: حديثُ السُّمَيْطِ تَعْرِفُهُ؟
    قالَ: نَعَمْ، السَّدُوسِيُّ، إنَّما جَعَلَ نِيَّتَهُ بذَلِكَ، فذَكَرَ ذَلِكَ شَقِيقٌ لعُثْمَانَ، فجَعَلَها نِيَّتَهُ).
    فإنْ كانَ الحالِفُ ظالِمًا، ونوَى خِلافَ ما حَلَّفَهُ عليهِ غَرِيمُهُ، لمْ تَنْفَعْهُ نِيَّتُهُ.
    وفي (صحيحِ مسلمٍ): عنْ أبي هُريرةَ، عَن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ))، وفي روايَةٍ لهُ: ((الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ)).
    وهذا مَحْمُولٌ على الظَّالِمِ، فأَمَّا المَظْلُومُ فيَنْفَعُهُ ذَلِكَ.
    وقدْ خرَّجَ الإِمامُ أحمدُوابنُ مَاجَهْ مِنْ حديثِ سُوَيْدِ بنِ حَنْظَلَةَ قالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَعَنَا وائِلُ بنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لهُ، فتَحَرَّجَ النَّاسُ أنْ يَحْلِفُوا، فحَلَفْتُ أنا إنَّهُ أخي، فخَلَّى سبيلَهُ. فأَتَيْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ أنَّ القومَ تَحَرَّجُوا أنْ يَحْلِفُوا، وحَلَفْتُ أنا إنَّهُ أَخِي، فقالَ: ((صَدَقْتَ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ)).
    وكذَلِكَ تَدْخُلُ النِّيَّةُ فِي الطَّلاقِ والعَتَاقِ، فإذا أَتَى بلفظٍ مِنْ ألفاظِ الكِنَايَاتِ المُحْتَمِلَةِ للطَّلاقِ أو العَتَاقِ، فلا بُدَّ لهُ مِن النِّيَّةِ.
    وهلْ يَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ دَلالةُ الحالِ مِنْ غَضَبٍ أوْ سُؤَالِ الطَّلاقِ ونحوِهِ أمْ لا؟
    فيهِ خلافٌ مَشْهورٌ بينَ العُلَماءِ.
    وهلْ يَقَعُ بذَلِكَ الطَّلاقُ فِي الباطِنِ كما لوْ نَوَاهُ، أمْ يُلْزَمُ بهِ فِي ظاهِرِ الحُكْمِ فقطْ؟
    فيهِ خِلافٌ مشهورٌ أيضًا.
    ولوْ أوْقَعَ الطَّلاقَ بكنايَةٍ ظاهِرَةٍ، كَالْبَتَّةِ ونحوِها، فهلْ يَقَعُ بهِ الثَّلاثُ أوْ واحِدَةٌ؟
    فيهِ قولان مشهورانِ.
    وظاهِرُ مذهبِ أحمدَ أنَّهُ يَقَعُ بهِ الثَّلاثُ معَ إطلاقِ النِّيَّةِ.
    فإنْ نوَى بِهِ ما دُونَ الثَّلاثِ وقَعَ بهِ مَا نوَاهُ.
    وحُكِيَ عنهُ رِوَايَةٌ: أنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلاثُ أيضًا.
    ولوْ رأَى امرأةً فَظَنَّها امرَأَتَهُ فطلَّقَها، ثمَّ بانَتْ أجْنَبِيَّةً، طَلُقَت امْرأَتُهُ؛ لأنَّهُ إنَّما قَصَدَ طلاقَ امْرَأَتِهِ، نَصَّ على ذَلِكَ أحمدُ.
    وحُكِيَ عنهُ روايَةٌ أُخْرَى: أنَّها لا تَطْلُقُ، وهوَ قولُ الشَّافِعِيِّ.
    ولوْ كانَ العَكْسُ، بأنْ رأَى امْرَأَةً ظَنَّها أجْنَبِيَّةً فَطَلَّقَها، فَبَانَت امْرَأَتُهُ، فهلْ تَطْلُقُ؟
    فيهِ قولانِ هما رِوَايتانِ عنْ أحمدَ.
    والمشهورُ مِنْ مذهَبِ الشَّافِعِيِّ وغيرِهِ: أنَّها تَطْلُقُ.
    ولوْ كانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، فنَهَى إحداهُمَا عَن الخُرُوجِ، ثُمَّ رأَى امرَأَةً قدْ خَرَجَتْ، فَظَنَّها المَنْهِيَّةَ، فقالَ لها: فُلانةُ خَرَجْتِ؟أنتِ طالِقٌ.
    فقد اخْتَلَفَ العُلماءُ فيها.
    فقالَ الحسَنُ: تَطْلُقُ المَنْهِيَّةُ ؛ لأنَّها هيَ الَّتي نَوَاهَا.
    وقالَ إبراهيمُ: تَطْلُقَانِ.
    وقالَ عَطَاءٌ: لا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنهما.
    ومذهَبُ أحمدَ: أنَّهُ تَطْلُقُ المَنْهِيَّةُ رِوايَةً واحِدَةً؛ لأنَّهُ نَوَى طَلاقَها.
    وهلْ تَطْلُقُ الْمُوَاجِهَةُ؟ على رِوَايَتَيْنِ عنهُ.
    واخْتَلَفَ الأصحابُ على القولِ بأنَّها تَطْلُقُ : هلْ تَطْلُقُ فِي الحُكْمِ فقطْ، أمْ فِي الباطِنِ أيضًا؟ على طريقتَيْنِ لهم.
    وقد اسْتُدِلَّ بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى))، على أنَّ العُقودَ الَّتي يُقصَدُ بها فِي الباطِنِ التَّوصُّلُ إلى ما هوَ مُحَرَّمٌ غيرُ صحيحةٍ.
    كَعُقُودِ البُيوعِ الَّتي يُقْصَدُ بها معنَى الرِّبا ونحوِها، كما هوَ مذْهَبُ مالِكٍ وأحمدَ وغيرِهما؛ فإنَّ هذا العَقْدَ إنَّما نُوِيَ بِهِ الرِّبَا لا البيعَ، ((وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى)).
    ومسائلُ النِّيَّةِ المُتَعَلِّقةُ بالفقْهِ كثيرةٌ جدًّا، وفيما ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ.
    وقدْ تَقَدَّمَ عن الشَّافِعِيِّ أنَّهُ قالَ فِي هذا الحديثِ: (إنَّهُ يَدْخُلُ فِي سبعينَ بابًا من الفِقْهِ)، واللَّهُ أعْلَمُ.
    والنِّيَّةُ: هيَ قَصْدُ القَلْبِ.
    ولا يَجِبُ التَّلَفُّظُ بما فِي القَلْبِ فِي شيءٍ مِن العِبادَاتِ.
    وخَرَّجَ بعضُ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَهُ قَوْلاً باشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بالنِّيَّةِ للصَّلاةِ، وغَلَّطَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنهم.
    واخْتَلَفَ المُتَأَخِّرونَ مِن الفُقَهَاءِ فِي التَّلَفُّظِ بالنِّيَّةِ فِي الصَّلاةِ وغيرِها.
    - فمِنهم: مَن اسْتَحَبَّهُ.
    - ومِنهم: مَنْ كَرِهَهُ.
    ولا يُعْلَمُ فِي هذِهِ المسائِلِ نَقْلٌ خَاصٌّ عن السَّلَفِ، ولا عن الأئِمَّةِ إلا فِي الحَجِّ وَحْدَهُ؛ فإنَّ مُجَاهِدًا قالَ: (إذا أرادَ الحَجَّ يُسَمِّي ما يُهِلُّ بِهِ).
    ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ قالَ: (يُسَمِّيهِ فِي التَّلْبِيَةِ).
    وهذا ليسَ مِمَّا نحنُ فيهِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَذْكُرُ نُسُكَهُ فِي تَلْبِيَتِهِ فيقولُ: ((لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا)).
    وإنَّما كلامُنا فِي أنَّهُ يقولُ عندَ إرادَةِ عَقْدِ الإِحرامِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُريدُ الحجَّ أو العُمْرَةَ، كما استَحَبَّ ذَلِكَ كثيرٌ مِن الفُقَهاءِ، وكلامُ مُجَاهِدٍ ليسَ صريحًا فِي ذَلِكَ.
    وقالَ أكثرُ السَّلَفِ؛ مِنهم عطاءٌ وطاوُوسٌ والقاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ والنَّخَعِيُّ: تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ عندَ الإِهلالِ.
    وصحَّ عَن ابنِ عُمَرَ أنَّهُ سَمِعَ رجُلاً عندَ إحرامِهِ يقولُ: الَّلهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الحَجَّ أو العُمْرَةَ. فقالَ لهَ: (أَتُعْلِمُ النَّاسَ؟ أَوَلَيْسَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ؟!)
    ونصَّ مالِكٌ على مِثْلِ هذا ، وأنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ لهُ أنْ يُسَمِّيَ ما أَحْرَمَ بِهِ.
    حَكَاهُ صاحِبُ كتابِ (تَهْذِيبِ المُدَوَّنَةِ) مِنْ أصحابِهِ.
    وقالَ أبو داودَ: قُلْتُ لأحمدَ: (أَتَقُولُ قبلَ التَّكْبِيرِ-يَعْنِي فِي الصَّلاةِ- شيئًا؟) قالَSadلا). وهذا قَد يَدْخُلُ فيهِ أنَّهُ لا يُتَلَفَّظُ بالنِّيَّةِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.


    ===============================================================================================



    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لمجده، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فأسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلني وإياكم ممن يتحرك لله ويعمل لله ويطلب العلم لله ويتكلم ويعمل لله -جل جلاله-، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى.

    وما من شك أنَّ طلب العلم فريضة على كل مسلم
    كما ثبت ذلك عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وطلب العلم له أُصوله وله رُتَبهُ، فمن فاته طلب العلم على رُتَبه وأُصوله فإنه يُحرَم الوصول، وهذه مسألة كثيراً ما نكررها رغبةً في أنْ تَقَرَّ في قلوب طلبة العلم ومُحِبِّي العلم، ألا وهي:

    أن يُطلب العلم شيئاً فشيئاً، على مرِّ الأيام والليالي كما قال ذلك ابن شهاب الزهري الإمام المعروف، إذ قال: (من رام العلمَ جُمْلة ذهب عنه جُملة، وإنمّا يطلب العلم على مرِّ الأيام والليالي)، وهذا كما تُدَرِّس صغِيراً أصولَ الكتابة أو أصول نطق الكلمات، فإنه لا بد أن يأخذه شيئاً فشيئاً، ثم إذا استمر على ذلك أَحكم الكتابة وأحكم النطق، حتى يتمكن من ذلك، والعلم كذلك.
    فالعلم منه صغار ومنه كبار، باعتبار الفهم.

    وأمّا باعتبار العمل وباعتبار كون العلم من الله جلّ جلاله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه ليس في العلم شيء سهل.
    كما قال مالك -رحمه الله تعالى- إذْ قيل له: هذا من العلم السهل!، قال: (ليس في علم القرآن والسنة شيء سهل، وإنما كما قال الله- جل وعلا-: {إنّا سنلقي عليك قولاًثقيلاً}).
    فالعلم: من أخذهُ على أنه ثقيل صعب, أدركَ، وأمّا من أخذ المسائل على أنها سهلة، هذه سهلة، وهذه متصورة، وهذه مفهومة، ويمرُّ عليها مرور السريع؛ فإن هذا يفوته شيء كثير.

    فإذاً:
    لا بد لنا في طلب العلم من تدرجٍ فيه على أصوله وعلى منهجية واضحة، ولا بد لنا أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل، بل كله ثقيل من حيث فهمهُ، ومن حيث تثبيتُه، ومن حيث استمرارهُ مع طالب العلم، فهو ثقيل لا بد له من مواصلة ومتابعة.
    فالعلم ينسى إذا ترك وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى، وهذا يُعظم التَّبِعَة على طالب العلم في أن لا يتساهل في طلبه للعلم، فلا يقولنَّ قائل مثلاً: هذا الكتاب سهل، وهذا المتن لِمَ يُشرح؟! لأنه سهل واضح..؛ أحاديث معروفة؛ فإن هذا يُؤْتى من هذه الجهة حيث استسهل الأصول وعُقَد العلم.
    وقد قال طائفة من أهل العلم: (العلم عُقَد ومُلَح؛ فمن أحكَم العُقَد سَهُلَ عليه العلم، ومن فاتهُ حَلُّ العُقَد فاتهُ العلم).
    وهذا إنما يكون بإحكام أصول العلوم، وإذا ضبط طالب العلم المتون المعروفة في الحديث، وفي العلوم المختلفة فإنه يكون مُهيَّأً للانتقال إلى درجاتٍ أعلى بفهمٍ وتأْسيس لما سبقَ.
    فلهذا أحض جميع طلاب العلم على أن يأخذوا العلم بحزْم، وأن لا يأخذوه على أنَّ هذه المسألة مفهومة وهذه سهلة وهذه واضحة، بل إنه يكرر الواضح ليزداد وضوحاً، ويكرِّر المعلوم ليزداد به علْماً، وهكذا..
    ثم إنَّ هذا الكتاب الذي سنعاني شرحه، هو: الأحاديث المختارة المعروفة بـ (الأربعين النووية)، جمعها العلامة: (يحيى بن شرف النووي)، ويقال: (النّواوي) أيضاً، وهو من علماء الشافعية البارزين، ومـمّن شرح كتباً في الحديث وكتبًا في الفقه، وأيضًا في لغة الفقهاء، وغير ذلك من العلوم.
    وأصل كتابه: (الأربعين النووية) أنّ ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- جمع في مجالس من مجالس تدريسه الأحاديث الكلية التي يدور عليها علم الشريعة، فجعلها ستةً وعشرين حديثاً.

    فنظر فيها العلامة النووي فزادها ستة عشر حديثاً، فصارت الأحاديث التي اختارها (النووي) اثنين وأربعين حديثاً، فَسُميت بـ(الأربعين النووية) تجوُّزاً.

    ثم زاد عليها الحافظ الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي -رحمه الله- ثمانية أحاديث كلية أيضاً، وعليها مدار فهم بعض الشريعة؛ فصارت خمسين حديثا، وهي التي شرحها في كتابة المسمى: (جامع العلوم والحكم، في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم).
    وأصلُ هذه الأحاديث في اختيارها: على أنها جوامع كَلِم تدور عليها أمور الدين.
    - فمنها:ما يتصل بالإخلاص.
    - ومنها:

    ما هو في بيان الإسلام وأركانه، والإيمان وأركانه.
    - ومنها:ما هو في بيان الحلال والحرام.
    - ومنها:ما هو في بيان الآداب العامة.

    - ومنها:ما هو في بيان بعض صفات الله -جل وعلا.
    وهكذا.. في موضوعات الشريعة جميعاً.
    فهذه الأحاديث الأربعين وما زيد عليها أيضاً، فيها علمُ الدين كله، فما من مسألة من مسائل الدين إلا وهي موجودة في هذه الأحاديث؛ من العقيدة، أو من الفقه، وهذا يتبين لمن طالع الشرح العُجاب: شرح (ابن رجب) -رحمه الله- على (الأربعين النووية) وعلى الأحاديث التي زادها ثم شرحها، فالعناية بها مهمة؛ لأنَّ في فهمها فهم أصول الشريعة بعامة، وقواعد الدين؛ فإنَّ منها الأحاديث التي تدور عليها الأحكام، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- مفصلاً.
    القارئ:
    (قال المصنف رحمه الله تعالى: وعن أمير المؤمنين أبي حفصٍ، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
    رواه إماما المحدثين:
    أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري
    وأبو الحسين، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة.

    الشيخ: هذا هو الحديث الأول: حديث (عمر) رضي الله عنه: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ٍما نوى))، وهذا الحديث عظيم.
    حتى قال طائفة من السلف ينبغي أن يكون هذا الحديث في أول كلِّ كتابٍ من كُتب العلم.

    ولهذا بدأ به البخاري -رحمه الله- (صحيحه)، فجعل أوّل حديثٍ فيه: حديث: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ٍما نوى))، بحسب اللفظ الذي أورده في أوله.
    وهذا الحديث أصلٌ من أصول الدين.
    وقد قال الإمام أحمدSadثلاثة أحاديث يدور عليها الإسلام:
    حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات)).
    وحديث عائشة: ((من أحدث من أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)).

    وحديث النعمان بن بشير: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن)).
    وهذا الكلام من إمام أهل السنة متين للغاية وذلك أن عمل المكلَّف دائر على:
    - امتثال الأمر
    - واجتناب النهي
    وامتثال الأمر واجتناب النهي: هذا هو الحلال والحرام.
    - وهناك بين الحلال والحرام مشبَّهات، وهو القسم الثالث.

    وهذه الثلاث هي التي وردت في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات))، وفي رواية: ((مشبَّهات)).
    وفِعْل الأمر واجتناب النهي لا بد أن يكون بنية حتى يكون صالحاً، فرجع تصحيح ذلك العمل -وهو الإتيان بما فرض الله، أو الانتهاء عمّا حرم الله- إلى وجود النية التي تجعل هذا العمل صالحاً مقبولاً.
    ثم إنّ ما فرض الله -جل وعلا- من الواجبات أو ما شرعه من المستحبات؛ لا بد فيه من ميزان ظاهر حتى يصلح العمل، وهذا يحكمه حديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) كما في رواية مسلم للحديث.
    فإذاً: هذا الحديث حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) يُحتاج إليه في كلِّ شيء، يُحتاج إليه في امتثال الأوامر وفي اجتناب النواهي، وفي ترك المشتبهات، وبهذا يعظم وقع هذا الحديث؛ لأنَّ المرء المكلَّف -في أي حالة يكون عليها- ما بين أمر يأتيه؛ إما أمر إيجاب أو استحباب، وما بين نهي ينتهي عنه؛ نهي تحريم أو نهي كراهية، أو يكون الأمر مشتبهاً فيتركه، وكل ذلك لا يكون صالحاً إلا بإرادة وجه الله -جل وعلا- به، وهي: النية.

    قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات))
    رُوي أيضاً في الصحيحSad(إنما العمل بالنية)).
    ورُويSad(إنما الأعمال بالنية)) في ألفاظ مختلفة والمعنى واحد.
    فإنه إذا أُفرد العمل أو النية أريد بها الجنس.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ٍما نوى))
    هذا فيه حصر؛ لأن لفظ (إنما) من ألفاظ الحصر عند علماء المعاني.

    والحصر يقتضي أن تكون الأعمال محصورة في النيات.
    ولهذا نظر العلماء: ما المقصود بقوله: ((إنما الأعمال بالنيات))؟

    فقال طائفة من أهل العلم-وهو القول الأول-: إنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات)) يعني: إنما الأعمال وقوعها مقبولةً أو صحيحةً؛ بالنية.
    ((و إنما لامرئٍ ما نوى)) يعني: وإنما يثاب المرء على العمل الذي عَمِلَه بما نواه.
    فتكون الجملة الأولى متعلقة بصحة العمل، والجملة الثانية يراد بها الثواب على العمل.
    ((إنما الأعمال بالنيات)) (الباء) هنا للسببيّة يعني: إنما الأعمال تقع صحيحةً بسبب النيات، فيكون تأصيلاً لقاعدة عامة.

    قال: ((وإنما لكل امرئٍ ما نوى)).
    (اللام) هذه لام المِلكية، يعني: مثل التي جاءت في قوله تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}.

    ((وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) يعني: من ثواب عمله ما نواه.
    هذا قول طائفة من أهل العلم
    والقول الثاني: أنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات)) هذا راجع إلى أنَّ (الباء) سببية أيضاً، والمقصود بها سَببُ العمل، لا سَببُ قبوله. قالوا: لأننا لا نحتاج مع هذا إلى تقدير، فقوله: ((إنما الأعمال بالنيات))، يعني: إنما الأعمال بسبب النيات.
    فما من عمل يعملهُ أحد إلا وله إرادة وقصد فيه، وهي النية.
    فمنشأ الأعمال -سواءً كانت صالحةً أو فاسدةً، طاعة أو غير طاعة- إرادة القلب لهذا العمل.
    وإذا أراد القلب عملاً وكانت القدرة على إنفاذه تامة فإنَّ العمل يقع، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام -على هذا-:
    ((إنما الأعمال بالنيات)) يعني: إنما الأعمال صدورها وحصولها بسبب إرادة قلبه وقصده لهذا العمل. ((وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) هذا فيه: أنَّ ما يحصل للمرء من عمله؛ ما نواه نيَّةً صحيحة، يعني إذا كانت النية صالحة صار ذلك العمل صالحاً، فصار له ذلك العمل.
    والقول الأول : أصح؛ وذلك لأنَّ تقرير مبعث الأعمال وأنها راجعة لعمل القلب؛ هذا ليس هو المراد بالحديث كما هو ظاهر من سياقه، وإنما المراد: اشتراط النية للعمل، وأنّ النية هي المصححة للعمل.

    لأن قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) بيان لما تطلبه الشريعة، لا لما هو موجود في الواقع.
    فلهذا نقول: الرّاجح من التفسيرين: أن قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات)) يعني: إنما الأعمال -صحةً وقبولاً أو فساداً- بسبب النيات، وإنما لامرئ من عمله -ثواباً وأجرًا- ما نواه.

    إذا تقرر هذا، فالأعمال:
    جمع عمل، والمقصود به هنا: ما يصدر عن المكلف ويدخل فيه الأقوال، فليس المقصود بالعمل قسيم القول والاعتقاد.

    وإنما الأعمال هنا: كل ما يصدرُ عن المكلَّف من أقوال وأعمال؛ قول القلب وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
    فيدخل في قوله: ((إنما الأعمال بالنيات)) كل ما يتعلق بالإيمان؛ لأن الإيمان: قول وعمل؛ قول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح.

    فقوله: ((إنما الأعمال بالنيات)) يدخل فيها جميع أنواع ما يصدر من المكلف.
    هذا العموم عموم مرادٌ به الخصوص.
    لأنَّ العموم -عند الأصوليين- على ثلاثة أقسام:
    1-عامٌ باقٍ على عمومه.
    2-وعامٌ دخله التخصيص.

    3-وعامٌ مرادٌ به الخصوص، يعني أن يكون اللفظ عامّاً ويراد به بعض الأفراد.
    وهنا في قوله: ((إنما الأعمال بالنيات)) لا يدخل فيها الأعمال التي لا تشترط لها النية، مثل: أنواع التروك، وإرجاع المظالم، تطهير النجاسة، وأمثال ذلك.. مما لا يشترط له النية؛ لأنه ترْك ونحوهُ. (والنية) -التي عليها مدار هذا الحديث- قصدُ القلبِ وإرادته، وإذا قلنا: النية قصد القلبِ وإرادته؛ علقناها بالقلب فالنية إذا ليس محلها اللسان ولا الجوارح، وإنما محلها القلب، ((نوى)) يعني: قصد بقلبه وأراد بقلبه هذا الشيء.
    فالأعمال مشروطة بإرادة القلب وقصده، فأي إرادة وقصد هذه؟
    المقصود بها: إرادة وجه الله -جل وعلا- بذلك.
    ولهذا في القرآن يأتي معنى النية بلفظ الإرادة والابتغاء وأشباه ذلك.
    كما في قوله: {يريدون وجه الله}.

    وكما في قوله: {يريدون وجهه}.

    {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}

    {من كان يريد حرْث الآخرة نزدْ له في حرْثه}
    (يريد) يعني: ينوي يطلب ويقصد، هذه هي النية.

    {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها}هذا النية.
    - أو لفظ الابتغاء، كقوله -جل وعلا-: {إلا ابتغاء وجه ربِّه الأعلى}.
    وكما في قوله جل وعلا: {لاخير في كثير من نجواهم، إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس* ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}.

    فإذاً في النصوص يكثر ورود النية بلفظ:
    أولاً: الإرادة إرادة القلب.
    ثانياً: بلفظ الابتغاء.
    - أو:بلفظ إسلام القلب والوجه لله -جل وعلا-.
    والنية في الشريعة بعامة يرادُ بها أحدُ معنيين:
    -نيةٌ متعلقةٌ بالعبادة.

    -ونية متعلقة بالمعبود.
    فأما المتعلقة بالعبادة، فهي: التي يستعملها الفقهاء في الأحكام، حين يأتون إلى الشروط.
    (الشرط الأول: النية)
    يقصدون بذلك: النية المتوجهة للعبادة، وهي: تمييز العبادات بعضها عن بعض.

    تمييز الصلاة عن الصيام، تمييز الصلاة المفروضة عن النفل.
    فإذا أتى للمسجد وأراد أن يركع ركعتين، مَيَّزَ قلبهُ هاتين الركعتين، هل هي ركعتا تحيةِ المسجد؟ أو هل هي ركعتا راتبة؟ أو هل هي ركعتا استخارة؟.. إلخ.

    فتمييز القلب ما بين عبادةٍ وعبادة، هذه هي النية التي يتكلم عنها الفقهاء في الكتب الفقهية وهي النية المتوجهة للعبادة.
    القسم الثاني: النية المتوجهة للمعبود. وهذه هي التي يُتحدث عنها باسم الإخلاص، إخلاص القصد، إخلاص النية، إخلاص العمل لله -جل وعلا-، وهي التي تُستعمل كثيراً بلفظ (النية) و(الإخلاص) و(القصد).
    فإذاً:هذا الحديث شمل نَوعي النية:

    - النية التي توجهت للمعبود.
    - والنية التي توجهت للعبادة.
    ((فإنما الأعمال بالنيات)) يعني: إنما العبادات تقع صحيحةً أو مقبولةً بسبب النية، يعني: النية التي تميز العبادة بعضها عن بعض أولاً، والنية التي هي إخلاص العبادة للمعبود وهو الله جلَّ جلاله.
    فلهذا لا يصلح أن نقول: النية هنا هي النية التي بمعنى الإخلاص، ونقول: إن كلام الفقهاء في النيات لم يدخل فيه الإخلاص، فإن تحقيق المقام: انقسام النية إلى هذين النوعين.
    قال عليه الصلاة والسلام: ((وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)) -هذا حصرٌ أيضاً-: وإنما لكلِّ امرئ من عمله (ثواباً وأجراً) ما نواهُ بعمله، فإن كان نوى بعمله الله والدار الآخرة، يعني: أخلص لله -جل وعلا-، فعمله صالح، وإن كان عمله للدنيا فعمله فاسد.

    وهذا كما جاء في آيات كثيرة، إخلاص الدين لله -جل وعلا-: {وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} الدين يقع على نية الإخلاص كما في قوله -جل وعلا-: {ألا لله الدين الخالص}.
    وقد جاء في أحاديث كثيرة بيان إخلاص العمل لله-جل وعلا-، كقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في (الصحيح): ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتهُ وشرْكه)).
    وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث القدسي: ((فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء)).
    وهذا يدل على أنَّ العمل لا بد أن يكون خالصاً لله -جلَّ وعلا- حتى يكون مقبولاً ويؤْجر عليه العبد.
    إذا وصلنا إلى هذا فمعناه أنّ من عمل عملاً ودخل في ذلك العمل نيةُ غير الله -جل وعلا- فإنَّ العمل باطل؛ لقوله: ((من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتهُ وشرْكَه))، ((فهو للذي أشرك))، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى)).
    وهذا يحتمل أن يكون المراد بذلك العمل:
    - العمل الذي يكون في أصل العبادة.
    - أو في أثناء العبادة.
    -أو غيَّرَ نيته بعد العبادة.

    -أو تكون العبادة في بعضها لله وفي بعضها لغير الله.
    فما المراد؟
    قال العلماء: تحقيق هذا المقام أنَّ العمل إذا خالطته نية فاسدة،رياء: أو سمعة، فإنه إن أنشأ العبادة للخلق فهي باطلة.

    يعني: دخل في الصلاة لا لإرادة الصلاة ولكن يريد أن يراهُ فلان، فهذه الصلاة باطلة وهو مشرك، كما جاء في الحديث: ((من صلَّى يُرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك)) يعني حين أنشأ الصلاة الواحدة أنشأها يرائي، وإلا فإنّ إنشاء المسلم عباداته جميعاً على الرياء هذا غير متصور.
    وإنما يقع الرياء في بعض عبادات المسلم:

    - إما في أولها.
    - وإمَّا في أثنائها.
    وأمَّا الرّياء التام في جميع الأعمال فإن هذا لايتصور من مسلم،
    وإنما يكون من الكفار والمنافقين، كما قال -جل وعلا- في وصفهم: {يُراؤون النّاس ولا يذكرون الله إلا قليلاً}، وقوله في وصف الكفار: {رئاءَ الناس}، يعني بهذا أن:

    القسم الأول: نيةٌ ابتدأ بها العبادة لغير الله فهذه العبادة تكون باطلةً؛ صلاته باطلة، صيامه باطل صدقته باطلة، نوى بالعمل غير الله -جل وعلا-.
    القسم الثاني: أن يحدث تغيير النية في أثناء العبادة، وهذا له حالان:
    الحال الأولى: أن يُبطل نيته الأصلية ويجعل العبادة لهذا المخلوق، فهذا حكمه كالأول، من أنَّ العبادة فسدت؛ لأنه أبطل نيتها وجعلها للمخلوق، فنوى في أثناء الصلاة أن الصلاة هذه لفلان، فتبطل الصلاة.

    الحال الثانية من هذا القسم: أن يزيد في الصلاة لأجل رؤية أحد الناس.
    يراه أحد طلبة العلم، أو يراهُ والدهُ، أو يراهُ كبير القوم، أو يراهُ إمام المسجد، فبدل أن يسبّح ثلاث تسبيحات أطال في الركوع على خلاف عادته- لأجل رؤية هذا الرّائي، فهذا العمل الزائد الذي نوى به المخلوق يبطل؛ لأنَّ نيته فيه لغير الله: ((وإنما الأعمال بالنيات)) لكن أصل العمل صالح؛ لأنَّ هذه النية ما عرضت لأصل العمل وإنما عرضت لزيادةٍ في بعضه.
    أو إمام أطال القراءة، حسَّن صوته؛ لرؤية الخلق، أو لأنَّ وراءهُ فلان أو نحو ذلك من الأعمال؛ فلا يبطل أصل العمل وإنما ما زاد فيه لأجل الخلق يكون فيه مشركاً الشركَ الأصغر (وهو الرياء) والعياذ بالله.
    والحالة الثالثة: أن يعرض له حبُّ الثناء وحب الذكر بعد تمام العبادة، عمل العبادة لله؛ صلى لله، حفظ القرآن لله، وصام لله، صام النوافل لله جل وعلا مخلصاً؛ وبعد ذلك رأى من يُثني عليه فسَرَّه ذلك ورغب في المزيد في داخله، فهذا لا يَخرِمُ أصلَ العمل لأنه نواه لله، ولم يكن في أثنائه فيكون شِركاً، وإنما وقع بعد تمامهِ، فهذا كما جاء في الحديث: ((تلك عاجل بُشرى المؤمن)): أن يسمع ثناء الناس عليه لعبادته، وهو لم يقصد في العمل الذي عمله أن يُثني عليه الناس.

    هذه ثلاثة أحوال.

    وإذا تقرَّر هذا؛ فالأعمال التي يتعلق بها نية مع نيتها لله -جلَّ وعلا- على قسمين أيضاً:
    الأول: أعمالٌ يجب أن لا يُريد بها، وأن لا يعرض لقلبه فيها ثواب الدنيا أصلاً، وهذه أكثر العبادات وأكثر الأعمال الشرعية.

    والقسم الثاني:عبادات حضَّ عليها الشارع بذكر ثوابها في الدنيا، مثل: صلة الرّحم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((من سرَّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه))، فحضَّ على صلة الرّحم بذكر ثواب الدنيا: النسأ في الأثر والبسط في الرزق.
    أو كقوله في الجهاد: ((من قتل قتيلاً فله سلبهُ))يعني: ما عليه من السلاح أو ما معه من المال يكون لهذا القاتل، فهذا حضٌ على القتل بذكر ثوابٍ دُنيوي، فمن أراد الثواب الدنيوي هنا في هذا القسم مستحضراً ما حضَّ الشارعُ من العمل يعني: من هذه العبادة وذكر فيها الثواب الدنيوي فإنه جائزٌ له ذلك؛ لأنَّ الشارع ما حضّ بذكر الدنيا إلا إذنٌ منه بأن يكون ذلك مطلوباً. فإذاً من وصل الرحم يريد وجه الله -جل وعلا-، ولكن يريد أيضاً أن يثاب في الدنيا
    بكثرة الأرزاق وبالنَّسأ في الأثر يعني: طول العمر فهذا له ذلك؛ لأجل أن الشارع حضَّ على ذلك.جاهد في سبيل الله يريد أيضاً مغنماً، ونيته خالصة لله -جل وعلا-، لتكون كلمة الله هي العليا، ولكن يريد شيئاً حض عليه أو ذكره الشارع في ذلك، فهذا قصدهُ ليس من الشرك في النية؛ لأنَّ الشارع هو الذي ذكر الثواب الدنيوي في ذلك.
    فإذاً تنقسم الأعمال:

    - إلى عبادات ذكر الشارع الثواب الدنيوي عليها.
    - وإلى عبادات لم يذكر الشارع الثواب الدنيوي عليها.
    وهذا كما جاء في قول الله -جل وعلا-: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون..} الآية؛ فهذه المسألة مهمَّة.
    فإذا تقرر أنه لايكون مشركاً بذلك؛ فهل من نوى الدنيا بصلة الرحم مثلاً مع نيته لله، مساوٍ لمن لم ينو الدنيا، إنما جعلها خالصة لله؟
    لا؛ يختلف الأجر، لكن لا يكون مُرائياً ولا مشركاً بذلك.
    فمن كانت نيته خالصة لله -جل وعلا- فأجرهُ أعظم.


    كلما عظمت النية لله في الأعمال التي ذكر الشارع عليها ثواب الدنيا؛ فإنه كلما عظمت النية الخالصة عظم أجره، وكلما نوى الدنيا مع صحة أصل نيته قلَّ أجرهُ، عن غيره.
    تفاصيل الكلام في النية، ودخول النية في أبواب كثيرة من العبادات، هذا يطول عليه الكلام جداً، وصنفت مصنفات في هذا، وكتب الأحاديث أطالت في شرح هذا الحديث، وإنما نذكر في شرحنا لهذه الأربعين النووية قواعد وتأصيلات متعلقة بشرح الحديث كما هي العادة في مثل هذه الشروح المختصرة لهذه الكتب المهمة.
    قال: ((فمن كانت هجرته…))(الفاء) هذه تفصيلية، تفصيل لمثال من الأعمال التي تكون لله وتكون لغير الله، فذكر مثالا:
    الهجرة، قال: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
    الهجرة معناها:
    الترك، (هَجَر) يعني: ترك، وأصلُ الهجرة: هجرةٌ إلى الله -جل وعلا- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- هجرةٌ إلى الله -جل وعلا-: بالإخلاص وابتغاء ما عنده.
    والهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: باتباعه عليه الصلاة والسلام والرغبة فما جاء به عليه الصلاة والسلام.

    ومن آثار ذلك: الهجرة الخاصة التي هي ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
    فقال عليه الصلاة والسلام: ((فمن كانت هجرته)) يعني: من كان تركه لبلد الشرك إلى بلد الإسلام لله ورسوله: ((إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله))، هذا فيه تكرير للجملة: ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) والمتقرر في علوم العربية:
    أنَّ الجمل إذا تكرَّرت في ترتب الفعل والجزاء فإنَّ شرط الفعل يختلف عن شرط الجزاء.
    فلهذا نقول: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ((نيةً وقصداً)) فهجرته إلى الله ورسوله ((ثواباً وأجراً))، فما تعلق بالفعل: النية والقصد، وما تعلق بالجواب: الأجر والثواب.

    وهذا فيه نوع من أنواع البلاغة، وهو أنَّ عمله جليل عظيم بحيث يُستغنى لبيان جلالته وعظمه يُستغنى عن ذكره؛ لأنه من الوضوح والبيان بحيث لا يُحتاج إلى ذكره.

    فقال عليه الصلاة السلام: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله..)) هذا تعظيم ورفع لهذا العمل، وهو أن تكون الهجرة إلى الله ورسوله، نيةً وقصداً لقوله: ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً، يعني: حدِّث عن ثوابه وعظِّم ذلك.
    ثم بين الصنف الثاني فقال: ((ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها)).
    ((لدنيا يصيبها)) هذه حال التاجر الذي هاجر لكي يكسب مالاً، أو هاجر ليكسب زوجةً أو امرأةً، فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه.
    وقوله عليه الصلاة والسلام: ((فمن كانت هجرته لدنيا)) العمل الظاهر يشارك فيه من هاجر إلى الله ورسوله لكن نيته: أنه في هجرته يريد التجارة، أو يريد أن يتزوج امرأة، فنيتهُ فاسدة.
    قال: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) يعني: من حيث أنه لا ثواب له فيها ولا أجر، وقد يكون عليه فيها وزْر.

    والهجرة: ترك بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
    أو: ترك بلد تظهر فيه البدعة إلى بلد لا تظهر فيه البدعة، وإنما تظهر فيه السنة.
    أو: -القسم الثالث-: ترك بلدٍ تظهر فيه الفواحش والمنكرات إلى بلد تقل فيه الفواحش والمنكرات ظهوراً.
    وهذه كل واحدة منها لها أحكام مذكورة في كتب الفقه بالتفصيل.[/b][/size]
    [/size][/b][/justify]

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 2:42 am